الإثنين 2024/03/11

آخر تحديث: 13:20 (بيروت)

"الأوسكار" السوري: مكرمة لقاء الأسد!

الإثنين 2024/03/11
"الأوسكار" السوري: مكرمة لقاء الأسد!
increase حجم الخط decrease
بالتزامن مع ليلة توزيع جوائز "أوسكار" السينمائية، احتفل النظام السوري بـ"أوسكاره" الخاص، ليس بتوزيع الجوائز على المبدعين وأبرز الإنجازات الفنية خلال عام مضى، بل بتقديم فروض الطاعة للرئيس بشار الأسد الذي تشكل رؤيته بحد ذاتها جائزة يحلم كل فنان سوري بنيل شرفها ولو مرة واحدة في حياته.

ومجدداً ظهر الأسد مع انطلاقة الموسم الدرامي الرمضاني الجديد، في مقطع فيديو نشرته حسابات "رئاسة الجمهورية" في مواقع التواصل، مع مجموعة من أبرز الممثلين والمخرجين السوريين في قصر المهاجرين بالعاصمة دمشق. وظهر في الفيديو الممثلون سوزان نجم الدين ونادين تحسين بيك وبسام كوسا وعباس النوري وتيم حسن وباسم ياخور وخالد القيش وقصي خولي وفادي صبيح وسامر إسماعيل ومحمود نصر، وكلهم من الأسماء التي برزت في أدوار البطولة في المسلسلات المحلية والعربية منذ الثورة السورية التي أدت لتدهور حال صناعة الدراما المحلية لأسباب مختلفة، بشكل يؤهلهم لنيل تلك "المكرمة".


والأسماء السابقة كلها كانت من الأصوات التي دعمت النظام السوري ولمعت صورة عائلة الأسد في اللقاءات الإعلامية، بما في ذلك من يقدمون أنفسهم على أنهم من "معارضة الداخل" مثل عباس النوري. وذلك ليس جديداً بل تكرر في مناسبات مختلفة ظهر فيها ممثلون، ينظر إليهم باحترام على أنهم "قامات وطنية" من طرف الموالين والمعارضين على حد سواء، وهم يقدمون فروض الطاعة لرموز النظام السوري أمام الكاميرات، مثل الممثلة منى واصف التي حضرت خطاب القسم الذي أداه الأسد العام 2021 بعد فوزه بولاية رئاسية جديدة إثر انتخابات شكلية. وكان إلى جانبها حينها فنانون شهيرون بمواقفهم الموالية للنظام، مثل سلاف فواخرجي ونادين خوري وشكران مرتجى ومعن عبد الحق ووفاء موصلي وآخرين، وارتدت حينها واصف وسام الاستحقاق الذي منحها إياه الأسد شخصياً العام 2009.

وعلى عكس والده حافظ الأسد الذي كانت علاقته بالفنانين السوريين بعيدة عن الأضواء، يظهر بشار الأسد في لقاءات دورية مع الممثلين ومشاهير الدراما المحلية من حين إلى آخر، في لقاءات لا سياق محدد لها سوى تقديم صورة زاهية لرجل يتهم من طرف منظمات حقوقية مختلفة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد شعبه منذ العام 2011، إلى جانب انفراده بالسلطة طوال 24 عاماً.

ويقدم الأسد نفسه ضمن هذا السياق الدعائي على أنه راع للفن والفنانين الذين يشكلون "صورة حضارية" لسوريا، خصوصاً في وجه "الإرهابيين" و"الهمج" من السوريين الذين عارضوا النظام ضمن صراع بين "سوريا النور" و"سوريا الظلام" وهي سردية حضرت في خطاب عشرات الفنانين والسياسيين السوريين منذ العام 2011، علماً أن هذه الدعاية الخاصة بالأسد ليست جديدة بل تعود لمطلع الألفية عندما استلم الرئاسة إثر وفاة حافظ الأسد، وحاول تقديم نفسه بصورة أكثر حداثة وانفتاحاً وليونة مما كان عليه الحال في العقود الثلاثة السابقة لذلك التاريخ.

وهكذا، ظهر الأسد في دار الأوبرا مراراً وتكراراً وحضر مسرحيات وأفلاماً سورية واستقبل ممثلين سوريين وجال مع آخرين في الشوارع، وكذلك كانت تفعل زوجته أسماء الأسد، وكان الممثلون والنجوم يتحدثون عنه في اللقاءات الإعلامية وعن شغفه بالتصوير وعن كونه فناناً قبل أن يكون طبيباً أو رئيساً، وكله ضمن خطاب رسمي يقول أن الدراما السورية هي فن نظيف وراق يتفوق فيه السوريون على أقرانهم العرب بمراحل.

بعكس ذلك لا تتواجد صور ومقاطع فيديو كثيرة لحافظ الأسد مع فنانين ومشاهير محليين، ويحيل البحث في الأرشيف السوري إلى صورة وحيدة لـ"الرئيس الخالد" مع الممثل دريد لحام الذي لطالما تحدث عن حضور حافظ الأسد لمسرحياته وإعطائه الضوء الأخضر من أجل تقديم "النقد السياسي". وبالعموم يمكن إيجاد تصريحات كثيرة من الفنانين الذين يتحدثون عن علاقتهم بحافظ الأسد، من دون وجود دليل بصري فعلي يدعم تلك الروايات، ولا يقتصر الأمر بالطبع على الفنانين المحليين بل يمتد للفنانين العرب مثل المصرية سميحة أيوب على سبيل المثال، التي قالت في لقاء إعلامي أن حافظ الأسد هو من أطلق عليها لقب "سيدة المسرح العربي".

وكانت الدعاية الرسمية تصور حافظ الأسد كقائد عتي وجبار لا يطاله المرض أو الموت، وهي صورة كان النظام الناشئ في السبعينيات إثر انقلاب عسكري، والذي تعرض لأزمة في الثمانينيات، بحاجة ماسة إلى خلقها بموازاة "أبديّته"، لأن منصب الرئيس في الدعاية الرسمية كان دائماً رمزاً للنظام بأسره. ولم يكن مطلوباً إظهار مفاهيم ناعمة ضمن الدعاية الخاصة بصورة الرئيس كراع للفن على سبيل المثال، بل كان ذلك يحضر في الكلمات الرسمية وفي الشعارات التي يتم توزيعها في المدارس ووسائل الإعلام ومراكز حزب البعث.


ولم يكن حافظ الأسد يظهر سوى بصور شديدة الرسمية مرتدياً بزات عسكرية على سبيل المثال، أما الصور "الكاجوال" والأكثر عفوية فلم تكن موجودة في أدبيات النظام إلا في عهد بشار. وكان الاعتماد على الفنانين تحديداً كطبقة تمتلك علاقة نفعية متبادلة مع السلطة منذ عقود، حتمياً، لتقديم تلك الدعاية في مقابل بقاء أولئك الفنانين في دائرة الضوء وإعطائهم امتيازات للعمل والنشاط الفني في البلاد أكثر من زملاء آخرين لهم، وأدى ذلك إلى تحول أشباه الفنانين إلى نجوم وجعل عديمي الموهبة دائمي الظهور في الشاشات المحلية.

وعملت الدراما المحلية طوال عقود كأداة توجيه من طرف السلطة للسوريين، خصوصاً مع التضييق على الكتاب والصحافيين والمثقفين والفنانين المستقلين، وتم تكريس الدراما كمنتج ثقافي وحيد يمكن للسوريين مشاهدته في منازلهم. وعبر تلك الدراما تم تقديم الأنماط الاجتماعية المطلوبة وتحديد الأدوار الجندرية مع مباشرة في الخطاب السياسي والاجتماعي، ولم يختلف الأمر بين المسلسلات الكوميدية أو الاجتماعية وحتى التاريخية التي كانت كلها تنتج أولاً وأخيراً بموافقة السلطة وأجهزة الرقابة، مع استثناءات محدودة من حين إلى آخر بطبيعة الحال. وحتى النقد الذي كان مسموحاً في المسلسلات الناقدة التي قدمها أبرز النجوم من دريد لحام إلى باسم ياخور وياسر العظمة وأيمن زيدان، كانت محدودة في تأثيرها وعملت فقط على خلق وهم بوجود حرية تعبير في البلاد من جهة وعلى تنفيس الاحتقان الشعبي من جهة ثانية.

ولم يتوقف دور فناني السلطة عند ذلك بل شاركوا بشكل مباشر في اللقاءات السياسية ورافقوا الوفود الرسمية السورية إلى مؤتمرات دولية كما أرسل النظام السوري وفوداً منهم العام 2011 لمخاطبة المناطق التي شهدت مظاهرات سلمية، من أجل "تهدئة النفوس" وحث المواطنين هناك على عدم التظاهر، كما تصدروا "المسيرات الموالية" وهتفوا "منحبك" في الشوارع والساحات وتسلقوا قمة جبل قاسيون العام 2013 بعد الهجمات الكيماوية التي قام بها النظام في الغوطة من أجل مطالبة المجتمع الدولي بعدم توجيه ضربة عسكرية للنظام حينها.

وبشكل مباشر وغير مباشر تم تقديم السلطة في الدراما السورية على أنها دائماً على صواب. وحتى في المسلسلات الناقدة، مثل دراما المكاتب الحكومية التي قدمها أيمن زيدان في التسعينيات كانت السلطة تظهر فاسدة فقط بسبب فساد الموظفين مقابل نزاهة المسؤولين والقادة، واليوم اختفت معظم تلك المسلسلات الناقدة من الخريطة الإنتاجية التي باتت تركز أكثر على مسلسلات البيئة الشامية والمسلسلات المنزوعة عن أي سياق معاصر، وحتى عند حضوره يتم تقديم الفساد والمشاكل اليومية على أنها حالات فردية لا تمثل السلطة ولا تمثل حالة البلد المشرقة.

وسواء كان الفنانون يتلقون أوامر مباشرة لتقديم تلك الخطابات أم لا، فإن الرقابة تعمل على مستويات متعددة، بداية من الرقابة على النصوص قبل إعطاء الموافقات لبدء الإنتاج إلى الرقابة على المنتج النهائي قبل العرض وحتى بعده في حال أثار ردود أفعال غير متوقعة. والأكثر من ذلك أن هذا السيستم يولد رقابة ذاتية على الأفراد العاملين في الفن أنفسهم، ممن يريدون في النهاية الحصول على لقمة العيش.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها