الجمعة 2024/02/09

آخر تحديث: 14:26 (بيروت)

الأسباب الحقيقية لقرار ترحيل العراقي "حارِق القرآن" من السويد

الجمعة 2024/02/09
الأسباب الحقيقية لقرار ترحيل العراقي "حارِق القرآن" من السويد
increase حجم الخط decrease
رفضت محكمة الهجرة، استئنافاً تقدم به العراقي سلوان موميكا، الذي أقدم على حرق القرآن مرات عديدة، فأيدت قرار مصلحة الهجرة بترحيله من السويد في وقت سابق. وقالت ئيسة محكمة الهجرة، كارين دالين، في بيان: "خلصت محكمة الهجرة إلى أن هناك أسباباً لإلغاء تصريح الإقامة ووضعه كلاجئ"، لكنها تحدثت عن "نشوء أسباب جديدة للجوء بسبب الأنشطة التي قام بها في السويد"، مشيرة في الوقت نفسه إلى وجود أسباب لاستبعاده من حق الحماية الدولية. وأضافت أنه لا يمكن تنفيذ قرار الترحيل إلى العراق طالما أنه معرض لخطر الاضطهاد أو غيره من أشكال سوء المعاملة هناك.

هذا التصريح بالتحديد، يعيد قضية موميكا إلى جذورها، لأن مشكلته مع السلطات السويدية تعود إلى تقديمه معلومات كاذبة للحصول على تصريح إقامة في البلاد كلاجئ، وإخفائه معلومات عن مشاركته في القتال ضمن مليشيات عراقية مختلفة، من بينها مليشيات الحشد الشعبي العراقي. وهذا بالتحديد ما يدفع بنظرية مفادها أن كل ما قام به موميكا من حرق للقرآن، في مناسبات عديدة خلال العام الماضي، كان يهدف إلى إعطائه سبباً جديداً للجوئه في البلاد، بعيداً من سببه الأصلي في حال انكشاف أكاذيبه، وهو ما تحقق فعلاً بالنظر إلى تصريح دالين السابق الذي فتح المجال نظرياً أمام موميكا لتقديم طلب لجوء جديد.

وكانت مصلحة الهجرة السويدية أعلنت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سحب إقامة موميكا بعد الكشف عن تقديمه معلومات كاذبة خلال طلب لجوئه، وقررت ترحيله من السويد. كما قررت منعه من العودة لمدة خمس سنوات، بعد تنفيذ قرار ترحيله. وحصل موميكا حينها على تصريح إقامة مؤقت يمتد حتى 16 نيسان/أبريل 2024 بسب عوائق أمام تنفيذ الترحيل، لأن المصلحة رأت أنه من "الخطورة للغاية إعادته إلى وطنه الأم".

ونشر موميكا قبل أشهر، مقطع فيديو باللغة الانجليزية في "إكس"، ناشد خلاله منظمات حقوق الإنسان العالمية بالتدخل لإنقاذ حياته من خطر الترحيل. وقال أن "السويد استسلمت للعراق وقررت إلغاء لجوئي وتسليمي للسلطات العراقية، حيث ينتظرني التعذيب والموت".

ومهما كانت حقيقة القصة، إلا أن قضية موميكا تذكّر بحالات مشابهة في الغرب، مثل النجمة العالمية مادونا التي حرقت الصلبان في أشهر أغانيها "لايك إي براير" العام 1989 وتعرضت لانتقادات من المتدينين والفاتيكان نفسه، لكن أحداً لم يعتقلها أو يعاقبها، بل مازالت حتى اليوم واحدة من أشهر نجمات الكوكب ومازالت تنتقد المؤسسة الدينية كسلطة، في أغنيات وحفلات ومقاطع فيديو، من قيامها بصَلب نفسها مع تاج الشوك في أداء أيقوني لأغنية "ليف تو تيل" العام 2006، إلى تناول مريم العذراء والعشاء الأخير في أغنية "هولي ووتر" العام 2015، وتوجيه انتقادات للكتاب المقدس والذكورية وعداء النساء والمثليين. بل كانت صريحة في أنها تقف مع حق كل شخص في اعتناق أي عقيدة يريدها، وقالت أنها ستكون يهودية إن كان اليهود معرضين للاضطهاد، ومُسلِمة إن كان المسلمون يتعرضون للاضطهاد وغير ذلك من الفئات في أغنيتها "Killers Who Are Partying" العام 2019.

ولعل أشهر قضايا التجديف المعاصرة ترتبط بالكاتب البريطاني سلمان رشدي وروايته "آيات شيطانية" التي أدت لصدور فتاوى، من إيران تحديداً، بهدر دمه، ما أدى بعد عقود إلى حادثة طعنه في نيويورك العام 2022. وفي الدفاع عن حقه في الكتابة والتعبير عن أفكاره، قال رشدي في تصريح شهير: "ما هي حرية التعبير؟ من دون حرية تقديم الإهانة تتوقف حرية التعبير عن الوجود".

وفي فرنسا، حضرت أزمة الهوية الدينية عطفاً على تأكيد رسمي وشعبي على أهمية حرية التعبير ووضعها فوق أي اعتبار، واستهدفت هجمات إرهابية وعمليات قتل، صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة، وأساتذة مدارس قُتلوا بعد عرض رسوم الصحيفة على اعتبار أنها تسيء لديانة المسلمين. ودافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مراراً، عن الحق في تناول الأديان ورموزها، بوصفه من أسس الجمهورية الفرنسية. وقال العام 2020 على سبيل المثال: "القانون واضح. لدينا الحق في التجديف. في النقد. في السخرية من الأديان. النظام الجمهوري ليس نظاماً أخلاقياً. المحظور هو التحريض على الكراهية ومهاجمة الكرامة".

وفي المملكة المتحدة، ألغيت قوانين تجريم التجديف، العائدة إلى القرون الوسطى، في إنجلترا وويلز العام 2008، وفي إسكتلندا العام 2021. ورغم أنها مازالت موجودة في أيرلندا الشمالية، لكنها لم تُستخدم منذ سنوات عديدة. أما في الولايات المتحدة، فقد تشكل الاتهامات بالتجديف انتهاكاً للدستور، حيث لا قوانين تجرّم التجديف على المستوى الفيدرالي، كما ينص التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة المعتمد العام 1791 على أنه "لا يجوز للكونغرس أن يضع أي قانون يحرّم إنشاء ديانة أو يحظر ممارستها بحرية، أو يقيد حرية التعبير أو حرية الصحافة".

وفي قضية موميكا، نُظر إلى حوادث حرق المصحف التي قام بها أو خطط لها، على أنها فعل من أفعال الكراهية ضد المسلمين، خصوصاً أنها كانت تحدث بالمواءمة مع شخصيات من اليمين المتطرف. واستند الخطاب المعارض لموميكا على أنه لم يقم بما قام به في عمل فني مثلاً، بل كجزء من استعراض سياسي ضمن إطار تحريضي على أساس ديني. علماً أن موميكا ليس مسلماً بل يتحدر من عائلة مسيحية، ويعرّف عن نفسه بأنه "عراقي ليبرالي علماني ملحد ومعارض للحكومة والنظام العراقي".

وفي العراق الذي شهد بداية تنظيم "داعش" ونشاطاً طويلاً لتنظيم "القاعدة"، إلى جانب المليشيات الشيعية التابعة لإيران، عانى المسيحيون اضطهاداً تاريخياً، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، ما أدى إلى هجرة كثير منهم من قراهم. وبلغت تلك الهجرة ذروتها بعد حرب العراق العام 2003، واشتدت بعد صعود تنظيم "داعش" الذي دأب على رسم حرف "نون" -اختصاراً لكلمة "نصراني"- على ممتلكات المسيحيين، بغية تمييزها وتنفيذ "حكم شرعي" بحقهم.

وبحسب قرار محكمة الهجرة السويدية، فإن موميكا أخفى معلومات عن الحكومة السويدية من أجل الحصول على تصريح إقامته، ما يعطي انطباعاً بأن ترحيله إداري، وليس بسبب التجديف نفسه. والمعلومات التي أخفاها موميكا تتعلق بقتاله ضمن مليشيات مسلحة مختلفة، منها مليشيا "بابليون" بقيادة ريان الكلداني، المُدرَج في لائحة العقوبات الأميركية منذ العام 2019. وانشق موميكا عن المليشيا العام 2016، وشكل "كتائب روح الله عيسى بن مريم"، المنضوية تحت "كتائب الإمام" بزعامة شبل الزيدي، المتهم من قبل وزارة الخزانة الأميركية بقيامه "نشاطات تجارية في العراق لصالح إيران" العام 2018.

وظهر موميكا في فيديو قصير، كجزء من مادة دعائية بثتها فصائل شيعية مسلحة في العراق. وأجرى مقابلة تلفزيونية مع إعلام "كتائب الإمام علي"، لشرح سبب انضمامه للحشد الشعبي أثناء معارك تحرير نينوى، وتم تداول الفيديو على نطاق واسع، في مواقع التواصل الاجتماعي بعد حادثة حرق القرآن الأولى. علماً أن فصائل الحشد الشعبي تأسست في حزيران/يونيو 2014، عندما أصدر المرجع الديني الشيعي علي السيستاني فتوى تدعو كل من يستطيع حمل السلاح الى التطوع في القوات الأمنية لقتال "داعش".

وفيما يعطي ذلك كله لمحة عن الهويات الطائفية التي تحكم بلداً ممزقاً مثل العراق، وسواه في المنطقة، فقد حضرت مقاربات شبيهة إزاء تصريحات لفاعلين سوريين مثل الصحافي إياد شربجي أو الممثل فارس الحلو، فضلاً عن التحريض على كوميديين لبنانيين أو اعتقال مؤثرين وناشطين في المغرب وتونس.

والمختلف هنا هو البعد الدولي للقضية، لأن دولاً عديدة طالبت الدنمارك والسويد، اللتين شهدتا حوادث حرق القرآن خلال الصيف الماضي، بحظر تلك الممارسات. وأدى ذلك لإقرار البرلمان الدنماركي قانوناً يحظر بموجبه حرق الرموز الدينية، بعدما كان حق الرأي الديني مكفولاً في البلاد منذ القرن الـ19، ما أثار مخاوف على حرية التعبير، وردت الحكومة الدنماركية بالقول أن "الإجراءات الجديدة لن يكون لها سوى تأثير محدود على حرية التعبير، وإن انتقاد الدين بطرق أخرى يظل قانونياً".


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها