السبت 2023/08/12

آخر تحديث: 12:30 (بيروت)

حادثة الكحالة: غابت الدقة وحضر الاستثمار السياسي

السبت 2023/08/12
حادثة الكحالة: غابت الدقة وحضر الاستثمار السياسي
تشييع أحمد قصاص في الضاحية: "السلاح دفاعاً عن السلاح" (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
مازالت تداعيات حادثة الكحالة تُظهر الانقسام القائم بين فئات لبنانية، فيما تعمل وسائل الإعلام المحلية، خصوصاً التلفزيونية، لتظهر هذا الشرخ، وتستثمره في تغطياتها وتحليلاتها، في مقابل التخلي عن كل ما ذُكر في كتب الأخلاقيات والمعايير الصحافية، بما في ذلك عبارة "الدقة مقابل السرعة"، التي لطالما علقت في أذهان العاملين في قطاع الصحافة والإعلام.

وهناك ثلاثة عوامل تزيد من الفوضى الإعلامية القائمة اليوم: الطابع التلويني الذي يطغى على وسائل الإعلام المرئية، وغياب الرقابة أو المعايير التي تحكم قطاع الصحافة "الأونلاين"، وصولاً إلى غياب التحقيقات القضائية الشفافة والصريحة، التي يستغلّها الإعلام كي يحل محل السلطات القضائية.

وسائل الإعلام: الخبر بنكهة تحليلية 

وساهم المواطنون الصحافيون، مجدداً، في تقليص الحيرة بين متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت عقب خبر "انقلاب شاحنة في الكحالة تابعة لحزب الله" فيديوهات صوّرها مواطنون عاينوا الحدث، ما ساهم ربما في تبادل التحليلات بين روّاد مواقع التواصل، وأظهر جوانب من حقيقة الحدث على أرض الواقع من جهةٍ أخرى.

في المقابل، خرجت وسائل إعلام محلية لتحلّل الحدث فور حدوثه، وتزيد الحيرة بين المواطنين: "إلى من تعود الشاحنة المنقلبة؟ ماذا تحمل الصناديق الخشبية في الشاحنة؟ من أطلق النار أولاً؟ من هي الجهة الحزبية التي تصادمت مع حزب الله؟ هل سيخرج زعماء سياسيون ليعلنوا الحرب على الطرف الآخر؟  

"معلومات غير مؤكدة"

وتصاعدت في الفترة الأخيرة عبارة "معلومات غير مؤكدة" أو "معلومات أولية غير ثابتة"، تهدف بطبيعة الحال إلى جذب انتباه المتابعين وزيادة المشاهدات والـ"clicks"، إلى جانب السرعة في نقل الأخبار المزعومة.

على سبيل المثال، نشرت إذاعة "لبنان الحر" في منصة "إكس"(تويتر سابقاً)، منشوراً زعم "معلومات غير مؤكدة عن أن أحمد قصاص قُتل في عملية عسكرية في دير الزور منذ 3 أيام، وجثمانه كان قد وصل إلى بيروت يوم عملية الكحالة وأن الحزب استغل مقتله لتهدئة نفوس أهالي الكحالة بعد مقتل فادي بجاني، فيما من ظهر أن مَن سقط في الفيديو هو مقاتل آخر، وهو جريح ولم يمت".

ردّ أحد المعلّقين قائلاً: "إذا كانت معلومات غير مؤكدة فلا داعي لنشرها"، فيما زاد ذلك المشهد من تفاعلات المتابعين على وسائل الإعلام، واستغلّه البعض لشدّ العصب وتوظيف الخبر لروايته التي يكتبها، بحسب توجّهاته.

في ضوء ذلك، علق المستشار القانوني في مؤسسة "مهارات" طوني مخايل بأن "الانقسام القائم بين اللبنانيين على موضوع سلاح حزب الله والشحنة التي انقلبت، ينعكس في طريقة معالجة وعرض وسائل الإعلام المحلية لحادثة الكحالة". واعتبر مخايل في حديث مع "المدن" أنّ الإشكالية تكمن في الخلاصات التي تطلقها وسائل الإعلام، خصوصاً مع غياب التصريحات الأمنية الصريحة، وعدم تحرّك مجلس الدفاع الأعلى مثلاً. فتنقل وسائل الإعلام الحدث وفقاً لتوجهاتها وموقفها من سلاح الحزب. وتعمد وسائل أخرى إلى الإثارة ورفع نسب المشاهدات، فيما يغيب التوازن عن التغطيات. وأكمل: "ما حصل مؤخراً هو تجيير الحدث نحو تفعيل البروباغندا السياسية والاستثمار فيه".

ويبرز الانقسام بين وسائل الإعلام اللبنانية، إذ صُبِغ كل منها بلون معين، طائفياً أو سياسياً. بالاضافة إلى ذلك، تجسّد التشنّج المجتمعي في التغطيات التلفزيونية. وبرز هنا دور الـ"Web Tvs"، خصوصاً صفحة "هنا لبنان" التي نشرت مقطعاً بعد ساعات من الحادثة لمواطنة "منفعلة" قابلها مراسل الموقع، وعنونته: "صرخة مواطنة من "#الكحالة": سلحونا.. بدنا التقسيم ما عاد فينا نعيش هيك!".

غياب مبدأ مقاطعة المصادر

من جهته، أشار الصحافي والأكاديمي ربيع بركات إلى أنه يجب على الصحافي مراعاة مبدأ الموازنة بين مسألتين أساسيتين: نقل المعلومة بأعلى قدر من الدقة، وتقليص الضرر النفسي أو الجسدي أو المادي وصولاً للضرر الاجتماعي الذي قد يترتّب عن التغطية الصحافية".

أضاف: "ما حصل في حادثة الكحالة، هو إعطاء مساحة بالدرجة الأولى لحالة الاحتقان، من دون اتّباع مبدأ مقاطعة المصادر، أي تنوّعها. حيث يعتمد هذا الأسلوب على مقابلة أشخاص عاينوا الحدث، وكانوا على مقربة منه، ومعرفة من هم هؤلاء، مثلاً شرطي سير أو أحد المارّة، بالاضافة إلى أطراف أخرى مساهمة في الحدث".

وأشار بركات إلى أنّ طبيعة الأسئلة التي يطرحها الصحافي يمكن أن تكون "استدراجية" (Leading questions)، حيث توجه الشخص نحو جواب معيّن بحسب السردية التي يرسمها الصحافي.

ومازال القطاع الإعلامي في لبنان يعكس هشاشة البنود والتشريعات القانونية التي تبرز تخلفاً في مواكبة الاعلام العصري. فقانون الإعلام المكتوب يعود للعام 1962 وقانون الإعلام المرئي للعام 1994، فيما يبقى اقتراح قانون آخر منذ العام 2011 في أدراج مجلس النواب.

في المقابل، يوظّف صحافيون تغطياتهم وعملهم لتعكس أجندات سياسية تغيب عنها أشكال التوازن بين السرعة والدقة. وفي حالة الكحالة، سارع بعضهم إلى مناطق النزاع التي كانت قائمة في سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، ما ساهم في تأجيج الوضع السياسي والاجتماعي الساخن. فخطّ عين الرمّانة - الشيّاح، بقي محط أنظار، في محاولة لإعادة "نوستالجيا" الحرب الأهلية لدى اللبنانيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها