الأربعاء 2023/04/05

آخر تحديث: 21:54 (بيروت)

"فِلس الأرملة": من جمعيات لبنان إلى منكوبي زلزال تركيا

الأربعاء 2023/04/05
"فِلس الأرملة": من جمعيات لبنان إلى منكوبي زلزال تركيا
زلزال تركيا (غيتي)
increase حجم الخط decrease
بعد حوالى شهرين على زلزال الأناضول، مازال تركمان لبنان منشغلين بما حدث في تركيا، لأن "بلدهم الأم" عانى أسوأ كارثة في تاريخه الحديث، راح ضحيتها أكثر من 50 ألف شخص إلى جانب خسائر مادية كبيرة قُدرت بأكثر من 100 مليار دولار أميركي.

واللافت أن اللبنانيين، كأفراد، نادراً ما يقدمون تبرعات لدول أخرى في العالم، باستثناء الفلسطينيين في العقدين الماضيين. وفيما يمكن النظر الى الحملة على أنها تأتي كتعاضد من التركمان الذين يربطهم بتركيا الانتماء القومي والإثني، يرى آخرون انها ردّ جميل للشعب التركي الذي قدم مساعدات للبنانيين بعد انفجار مرفأ بيروت.

وكانت الجمعيات التركمانية في لبنان، أعلنت، مطلع الشهر الحالي، إطلاق حملة تبرع مادية لضحايا الزلزال التركي "لرد جميل تركيا" حسب رئيس "الجمعية الثقافية التركية" في لبنان كمال مقصود، علماً أن أنقرة مدت يد العون إلى لبنان في أكثر من مناسبة، خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020 عندما كانت من بين أوائل الدول التي سارعت لتضميد جراح اللبنانيين من خلال الدعم المادي والطبي الذي قدمته للبلاد.

حملة التبرعات التي تزامنت مع بداية شهر رمضان، تم إطلاقها بالتعاون مع شركتي "ألفا" و"تاتش" للإتصالات، وعبر الدعاية لها بشكل كثيف في مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للجمعيات التركمانية في لبنان، في وقت يعاني تركمان لبنان كما غيرهم من اللبنانيين، أزمة اقتصادية خانقة. إلا أن التكافل الاجتماعي يفترض، بحسب مقصود، "جمع مساعدات نقدية من المواطنين وفق قدراتهم، وبطريقة غير مباشرة للتضامن مع ضحايا الزلزال".

وتأخرت الحملة بضعة أسابيع بسبب المشاكل التي تعانيها شركات الإتصالات في لبنان من جهة، وبسبب الإجراءات القانونية المعقدة التي على الجمعيات أن تقوم بها لتحصيل الأموال من الرسائل النصية التي ترسل على أرقام خاصة معنية بجمع التبرعات، من جهة ثانية. ورغم كل المعوّقات انطلقت الحملة في 31 آذار/مارس الماضي، وبات بإمكان كل من يريد التبرع إرسال رسالة نصية إلى رقم محدد سلفاً، فيُخسم من حسابه ما مقداره 50 ألف ليرة لبنانية، وهو مبلغ قليل جداً في لبنان. 

توازياً، انطلقت حملة تبرعات موازية، الشهر الماضي في مواقع التواصل الاجتماعي، على أيدي جمعيات أسسها تركمان لبنان في تركيا قبل سنوات، إضافة إلى جمعيات لبنانية تنشط هناك وساهمت بشكل كبير في عملية مساعدة المنكوبين بعيد الزلزال، ومنها جمعية "جيل التنمية المستدامة اللبنانية" التي استخدمت ما جمعته من لبنان وتركيا لتوزيع تبرعات عينية ومالية لمتضرري الزلزال في شرق تركيا وجنوبها.

في السياق، برز عمل دؤوب ومتقن قامت به جمعية "الثقافة والصداقة اللبنانية التركية – توليب" التي عمدت إلى إنشاء "غرفة طوارئ" بعد ساعات قليلة من وقوع الزلزال، ونشطت بشكل حيوي في البحث عن المفقودين اللبنانيين، والتواصل مع المؤسسات والمنظمات المعنية بالإغاثة، إضافة إلى إصدار تعاميم عن أعداد والمفقودين والناجين وغيرها من العمليات اللوجستية والإحصائية.

وفي 6 شباط/فبراير الماضي، ضرب جنوبي تركيا وبعض أجزاء من سوريا زلزالان بقوة 7.7 و7.6 درجات على مقياس ريختر، تبعتهما آلاف الهزات الارتدادية العنيفة، ما أسفر عن وقوع عدد كبير من القتلى ودمار ضخم، خصوصاً في تركيا، حيث تنشط جالية لبنانية كبيرة في تركيا، جلّها من تركمان لبنان والطلاب ورجال الأعمال والعاملين في الجمعيات الدولية المعنية بحقوق اللاجئين من مختلف الطوائف والمناطق، خصوصاً من طرابلس وبيروت وعكار والضنية.

وساهمت الجالية اللبنانية بقدر كبير في عملية المساعدة بعد الزلزال، فنشطت في الجمعيات المحلية والفرق الميدانية لإيواء المشردين وتأمين التواصل مع ذويهم. أما الربط بين الجمعيات التركمانية في لبنان وتلك القائمة في تركيا، فغالباً ما يكون عبر إجراء توأمة بينها، أو بإنشاء مجالس تجمعها وتنسق الجهود، خصوصاً أن قسماً كبيراً منها ينشط في البلدين، ويتنقب أعضاؤه بينهما بشكل دائم.

ويُغني التواصل السريع الذي يؤمنه عالم الإنترنت كما وسائل التواصل الاجتماعي، عن اللقاءات الرتيبة في المكاتب ومجمل العمليات التواصلية التقليدية. فيما يرجع النشاط الدائم الذي تقوم به الجمعيات إلى الحاجة الدائمة للمساعدة، خصوصاً في لبنان حيث ضربت الأزمة الاقتصادية بعمق المجتمع التركماني وغيره من المجتمعات اللبنانية من دون تفريق بين مجتمع وآخر.

وفي وقت يعاني اللبنانيون، أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخهم، يقدم بعضهم "فِلس الأرملة" إلى "أخوتهم" الأتراك، وهي مساعدة لن تغني تركيا كثيراً نظراً لما تمكله من مقدرات مالية ضخمة، لكنها جميل صغير لدولة وقفت طوال سنوات إلى جانب اللبنانيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها