السبت 2023/03/11

آخر تحديث: 12:28 (بيروت)

معارضة حزب الله مقاومة نسوية

السبت 2023/03/11
معارضة حزب الله مقاومة نسوية
(غيتي)
increase حجم الخط decrease
لم أكن أفقه الكثير عن دور حزب الله في السياسة الإقليمية وغيرها، يوم بدأت تتشكل قناعاتي المعارضة له. بدأت معارضتي لهذا الحزب العقائدي من مكان آخر، من ما يمسّني، بل ما يناصبني العداء بالمباشر، كفتاة ولدت لتُحسب على طائفة كان معظم أبنائها مقتنعاً بأنه مستهدف كَونياً، قبل أن أكتشف كم أني مستهدفة لمجرد كوني فتاة، وكيف يسعى الحزب لأخذ هذه الطائفة إلى مكان آخر أكثر تشدداً. طائفة، يريد حزب الله لنسائها أن يتّشحن دوماً بالسواد، حِداداً وفكراً، وأن يخضعن لذكورها. ليس هذا اتهاماً، بل خلاصة تجارب شخصية وحقيقة توثقها خطابات قادته المسجلة.

نعم، لقد ولدت في منطقة يهيمن عليها حزبٌ، إن أراد أن يكرّم النساء، أبرزهنّ كمربّيات لـ"المجاهدين" وطاهياتٍ لهم.

أذكر كيف كانت خُطَب مناهضة لمشروع إقرار قانون يحمي النساء من العنف الأسري (قبل إقراره)، تنعكس سلباً عليّ، وتتردد على ألسنة ذكور من حولي. يعود أحد أفراد العائلة من محاضرة للشيخ، ويخبرنا بجدّية رفضه إقرار قانون يحمي النساء "لأنه سيسمح لأيّ رجل بأن يغمر زوجتي وابنتي ويمضي معهما بينما أتفرّج من دون أن أتمكن من فعل شيء". نعم، بهذه الخفة كانت وما تزال تُختزل قضايا النساء وحقوقهن، وتتم تعبئة الرجل بأفكار يفرّغها قمعاً لهنّ وعنفاً ضدهنّ.

لا أنسى كيف كان تجنيد أي شخص من أنسبائي وأقاربي يُغيّره فجأة. يتحوّل من محبّ للحياة والغناء، مبتسم في وجوه الناس، إلى عابس كاره للآخرين. يعاملهم بمنطق الترهيب والترغيب. يفرض نفسه وصيّاً عليهم وقاضياً في أمورهم. تصبح مهمّته الاستقطاب والتجنيد أو القمع بتكليف شرعيّ.

في مراهقتي، شاهدتُ كيف يمكن لعقيدة أن تغيّر إنساناً، وأن تحوّل محبته لي، القائمة على روابط أسرية، إلى حقد وكراهية، فقط لأني رفضت منطق الخضوع. رأيتُ كيف تحوّل أحد أقاربي من رجل طيّب القلب محبٍّ لنا، إلى واعظٍ مُملّ، يحاول فرض الحجاب والصلاة والصّيام عليّ. هؤلاء كانت تجبرنا الروابط العائلية على لقائهم. مَلَلت حتى صرت أحاول تجنّبه والهرب من مواعظه ومحاولاته الضغط عليّ، لكنّ ذلك لم يردع "المجاهد في سبيل الله"، ليمضي ويصبح واعظاً لوالدي ناصحاً إيّاه بتحجيبي.

في أوّل تجربة قمع مررت بها، كنت ما زلتُ في الثانوية، يومها شاركت منشوراً يناصر مطلب إقرار قانون مدني للأحوال الشخصيّة. منشور أثار غضب هذا المجنّد، فوشى بي لدى والدي الذي أمرني بإزالة المنشور، ورفضتُ.

والعنف في مجتمع حزب الله لا يوجَّه فقط إلى النّساء، بل يتحوّل باتجاه الرجال الذين يُفرض عليهم "واجب" قمع النّساء وضبطهن، وإلا نالوا نصيبهم من خطاب الكراهية والتحريض وحتى الاعتداءات الجسدية.

من المحيط الضيّق، من العائلة إلى الحيّ، إلى الجامعة، يحيطنا حزب الله. يحاول أن يفرض علينا عقيدته وأن يقنعنا بخطابه الكاره لنا، يطاردنا به في كلّ مكان.

في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، تصبح مهمة "الأخوات" في التعبئة التربوية للحزب، وعظنا ومحاولة استمالتنا. محاولات كانت تبعدني عن الحزب الذي بدأت أفهم أكثر أدوات هيمنته وسيطرته وقمعه وتجنيده. كانت تُلغى بعض المحاضرات الدراسية، وتُقفل القاعات بوجهنا، كي تُستبدل بمحاضرات لمشايخ.

ذات يوم، وأنا أخرج من قاعة المحاضرات، لفتني تعليق لافتة بقَولٍ منسوب للخميني أو الخامنئي، لا أذكر، يقول فيه إن "حجاب المرأة يحفظ حيثيتها الإنسانية". شعرت بالمهانة من هذا القول الذي يفترض أني منقوصة الإنسانية، لمجرّد عدم ارتدائي حجاباً لن ينجح في كبت غرائز رجال.

فشلت هذه التجارب في جعلي امرأة خاضعة. على العكس من ذلك، جعلتني أبصر وأفهم أكثر دور الحزب كأداة ضمن مشروع عقائدي عابر للحدود يمرّ على جثث النّساء. أدركت أن هؤلاء لن يحموني من أيّ خطر يستخدمونه كأداة ابتزاز لأبناء الطائفة الشيعية. أدركت أنّنا، نحن المؤمنات بحقوقنا، على رأس لوائح إعدامهم متى تمكنوا من فرض عقيدتهم في لبنان. ولنا في إيران عبرة، فلنتّعظ منها ونحن ننظر بانبهار إلى جرأة النّساء هناك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها