الإثنين 2023/10/16

آخر تحديث: 16:01 (بيروت)

عصام عبدالله بعيون رفاقه: حالم.. لم تكن الحياة تسعه

الإثنين 2023/10/16
عصام عبدالله بعيون رفاقه: حالم.. لم تكن الحياة تسعه
increase حجم الخط decrease
إلى الآن لا يُصدق زملاء وأصدقاء المصور اللبناني عصام عبدالله، خبر مقتله بقصف إسرائيلي استهدف طواقم الصحافيين المتواجدين في منطقة الحدود الجنوبية مع إسرائيل قبل أيام، خصوصاً أن وكالة "رويترز" التي عمل معها حاولت تجهيل الجناة بعدم إشارتها إلى مصدر القصف الإسرائيلي في بياناتها الأولى، لتعود بعد ذلك وتستدرك، بخجل، وتقول إن عصام قُتل بطلاق صوارخ من ناحية إسرائيل".

وخسارة عصام ليست خسارة إعلامية فقط، بل هي خسارة إنسانية أيضاً. واستهدافه مع بقية الصحافيين يرقى إلى جريمة حرب وفق القانون الدولي، بشكل يضاف إلى سجل الجيش الإسرائيلي الحافل بتعمد قتل الصحافيين العرب والأجانب ممن يغطون النزاع العربي الإسرائيلي طوال عقود.

أصدقاء عصام لم يتخيلوا يوماً بأن تنزل الكاميرا عن كتفه، هو الذي تطور في المهنة من هاوٍ إلى محترفٍ ناقلٍ للحروب والأزمات والكوارث الطبيعية، فيما وثقت عدسته يوميات أصدقائه وجلساتهم. لم تكن كاميرا عصام حاضرة في النزاعات والحروب فقط، بل كان صاحب عدسة إجتماعية وفنية تناقل صورها زملاؤه في مواقع التواصل الإجتماعي.


ووصفته الصحافية المعتمدة في الأمم المتحدة في جنيف دينا أبي صعب: "عايشه كثر، معطاء بلا حدود، ومصور مهني لم يبخل يوماً على زملائه بالمساعدة، ولم يحتكر عمله أو يخفف من المنافسة"، تقول في حديث مع "المدن". "صورة عصام مرتبطة بالفرح والإيجابية في أحلك الظروف، واكبتُه في تغطيات صحافية دولية في جنيف خلال الحرب السورية، وفي ظروف برد قارس في جنيف".

وقالت أبي صعب أن عصام "لم يغادر يوماً التغطيات بل كان يوزع الفرح على زملائه، ويطلق النكات على الأحداث، محاولاً تخفيف توترهم"، علماً أنها عاصرته منذ بداية عمله الصحافي وصولاً إلى حرفيته وتطورها على مدى 18 سنة عاملاً مع أهم الوكالات الإعلامية الأجنبية، ووصفته، "بالشاب الحالم الذي لم تكن الحياة تسعه، يحاول دوماً في تغطياته أن ينقل القصص الإنسانية المحقة في النقاط المتوحشة بالأزمات".

واستنكرت أبي صعب، وغيرها من الصحافيين، "الخبر اللاأخلاقي وغير المهني الذي نقلته وكالة رويترز عن مقتل مصورها عبدالله". وعلقت بأنه "تضليل للعمل الإعلامي، وفاقد للمعايير الإعلامية الأساسية والخبرية التي يتعلمها الصحافيون في سنتهم الأولى في كليات الإعلام"، مضيفة أن "الوكالات العالمية مثل رويترز وغيرها يتعاطون بحذر، وبدم بارد مع الأخبار الخاصة بإسرائيل، تماماً كدولهم. فالرواية واضحة وموثقة بالصور والفيديوهات، ولا لبس فيها كي تتجنب وكالة رويترز القول بأن إسرائيل هي التي قتلت عصام وإستهدفت طواقم صحافية".

ويصر الزملاء الصحافيون على نقل الأحاديث عن عصام وجمال صوره وتغطياته بالقول: "كلها صور عصام عبدالله، إلا اليوم"، إذ أصبح، لمرارة رفاقه، هو الصورة والحدث. ويقولون: كان يوثق "حقيقة العدو، الذي يخاف ظُهورها فما كان منهم إلا أن اغتالوه".

في تقرير تأبيني لعصام عبد الله، جاء في "بودكاست" لوكالة "رويترز" إن الصحافي الشاب غطى بعض أهم أحداث العقد الماضي، من الحرب على "داعش" في سوريا والعراق، إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، والاضطرابات في الشوارع اللبنانية، وانفجار مرفأ بيروت. وكان أيضاً يحب تصوير تقارير الحياة اليومية، المعاناة والأفراح، مثل ذلك التقرير الذي رافق من خلاله ولادة طفل فيما سَجَّل عَدّاد سكّان الأرض تجاوز عتبة الثماني مليارات. وفي رسالة إلى مدير التحرير في الوكالة، كتب عصام بعد مهمة صعبة أداها في أوكرانيا، إنه تعلّم أن الصور ليست فقط جبهات وأعمدة دخان، بل القصص الإنسانية التي تلمسنا جميعاً في العمق.   

ويعيش زملاء عصام المصورون صدمة كبيرة، خصوصاً أن عدداً  كبيراً منهم كان متواجداً بالقرب من مكان الإستهداف. وصرح زميل مصور لعبدلله فضل عدم ذكر إسمه، بسبب عمله مع وكالات إعلامية أجنبية، منعت طواقمها الحديث أو التعليق عن الحادثة: "عصام شجاع ومرح ومحب للمهنة، لم يكتفِ بأن يكون مصوراً فوتوغرافياً، بل طور نفسه إلى مصور فيديو، ومنتج، ينفذ كافة مواده إعلامية من دون مساعدة، ومميز جداً في عمله".  وأضاف: "عصام كانت له أفكار واضحة ومعتقدات خاصة، قاتل من أجلها بالكاميرا، واختار بعمله مع "رويترز" أن ينفرد بتغطية الأزمات والحروب، من حرب سوريا وليبيا، إلى أكروانيا والحدود اللبنانية الإسرائيلية مؤخراً. أي أنه كان على علم بالمخاطر المترتبة على ذلك، وبأن حياته دائماً في خطر، فكان صاحب رسالة، على أرضٍ أحبها ودُفن فيها".



وعبّر زميل عصام عن غضبه وحزنه، بأن تنقل وكالة "رويترز" خبر مقتله باعتباره حصل "أثناء ممارسته عمله"، بطريقة مستخفة ومن دون تسمية الجهة القاتلة، ناسفةً المعايير المهنية، ما شكل عاملاً صادماً للعاملين في الوكالات الأجنبية وغيرها.

من جهته، وصف المصور والأكاديمي باسل صالح، صديقه عصام: بـ"الطيف المتنقل، والمشاغب، وناقل البسمة". واستذكره صالح، في قضايا وتغطيات، آمن بها المصور، وإستخدم صورتها، من إنتفاضة 17 تشرين في لبنان، إلى الحرب أوكرانيا، وتغطيات الجنوب. "فكان ينتقي من يصور ومن يصرح، ويستخدم حنكته المهنية، بتصوير المشاهد بشكل جيد، وبطريقة نضالية خلف الكاميرا، وهو أمرٌ لا نجده عند كثيرين، سواء في المهنة الصحافية أو غيرها، فعصام شخص إستثنائي، وساحر، إنتقل من خلف الكاميرا إلى قلب الصور، آمن بقضايا محقة، وإستشهد من أجلها".

ونقل الشاب محمد علي المقداد، معرفته للراحل "من الضاحية الجنوبية إلى نقاشات الحمرا للشباب اليساري، حتى لو لم يكن منظماً في أي من صفوفها. ذكريات جمعتنا مع أصدقاء، خصوصاً انتفاضة 17 تشرين، هو لم يكن فقط مصوراً صحافياً يقوم بعمله خلال الثورة، بل كانت إحدى القضايا التي عمل لإيصال صورتها". وبحسب المقداد، "بعيداً من الكاميرا، استخدم عصام أيضاً كلماته الكوميدية الساخرة، لإيصال أفكاره السياسية. وهو صاحب روح حلوة بشهادة كل مَن عرفوه".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها