الثلاثاء 2018/03/27

آخر تحديث: 18:46 (بيروت)

ثلاث أغنيات.. والمرشّح واحد

الثلاثاء 2018/03/27
ثلاث أغنيات.. والمرشّح واحد
increase حجم الخط decrease
إذا كان ثمة فارق أساسي بين انتخابات 2018 و2014 بالنسبة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، فهو افتقاد الزخم وضياع الشغف. ولا عجب، فالانتخابات السابقة كانت صورة الزعيم المفوض، حتى من قبل الانتخابات، القادر على حشد الملايين في الشوارع لتأييده ورفع صُوره، في استعادة واستدعاء لصورة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. هذه الصورة وذلك التصور جعلا للانتخابات طوابيرها الحقيقية، على الرغم من صراخ وسائل الإعلام آنذاك للناس: "انزلوا"، وتم تمديد الانتخابات ليوم إضافي، لكن كانت هناك طوابير بالفعل.
مشهد الطوابير في 2014، كان مشفوعاً برقص السيدات أمام الصناديق واللجان الانتخابية، على أنغام أغنية "بشرة خير" للمغني الإماراتي حسين الجسمي، التي انتشرت كالنار في الهشيم، ولا أدل على ذلك من تحقيقها أكثر من 280 مليون مشاهدة في "يوتيوب" وحدها. ما أن نزلت الأغنية وقتها حتى صارت حدثاً، وكانت الفقرة الدعائية المعبرة عن هذه الانتخابات، بلا مواربة.

ذكاء الأغنية كان في إيقاعها المقسوم الراقص، ودعوتها الناس للتصويت بغض النظر عن "المرشح" هذه المرة، ولم تكن الأغاني قد بدأت بعد في تمجيد الرئيس السيسي بشكل مباشر، اللهم إلا أوبريت "تسلم الأيادي" الذي جمعه مع الجيش في جملة مديح واحدة.

هكذا، يبدو ضرورياً استعراض تفاصيل المشهد في 2014، ودعايته، لفهم الهوة التي صارت عليها الدعاية في 2018. فهذه المرة، لم تجابه حملة السيسي جمهورها بأغنية واحدة "ضاربة"، بل بثلاث أغنيات دفعة واحدة! والأغنيات الثلاث يؤديها فنانون من مكتسحي مواقع التواصل الاجتماعي بأغنيات ناجحة، وهم أيضاً في العادة من المهيمنين على الشوارع بأنغامهم. والأغنيات الثلاثة الجديدة هي: "مساء الخير" لحسين الجسمي، و"صوتنا معاك" لمصطفى حجاج، و"أبو الرجولة" لحكيم.

أسبوعان منذ أن صدرت أغنية "مساء الخير" لحسين الجسمي، من دون أن تحقق أي أثر مشابه لما حققته "بشرة خير". لم تحصد الأغنية أكثر من مليون ونصف المليون مشاهدة في "يوتيوب"، رغم الإصرار على تكرارها في مختلف القنوات التلفزيونية، بالإضافة إلى كليبها الذي ضم عدداً كبيراً من الممثلين بشعار "تحيا مصر" المتصدر تفاصيل الصورة. هذه المرة، لحن الأغنية ليس مقسوماً، بل بإيقاع أهدأ كثيراً، ويتم بتحية مباشرة إلى الرئيس: "مساء الخير ياريس عايزينها تروق وتحلى". هنا، فَقَد الجسمي بريقه. وتحول من محتفٍ بالحالة الديموقراطية المصرية إلى مجرد بوق جديد في أوركسترا السيسي شديدة الضخامة والتنافر.

ثاني الأغاني، "صوتنا معاك" لمصطفى حجاج، صدرت وكأنها لم تصدر، على الرغم من تكرارها عبر شاشات قنوات "الحياة". اشتهر حجاج بأغنية وكليب "يابتاع النعناع يامنعنع" التي تجاوزت الـ120 مليون مشاهدة في "يوتيوب"، ومثلها في "فايسبوك". 

فجأة سقطت هذه الشعبية مع الأغنية الدعائية، التي افتقدت إلى الحد الأدنى من الجودة اللحنية، من دون الخوض بالطبع في حديث عن الكلمات، لأن كل الأغاني الوطنية/الدعائية السياسية هي رديئة بالضرورة، أو بالأحرى ذات غرض محدد غير معنيّ بالجماليات الشعرية بالتأكيد. لكن اللحن، الذي هو قوام نجاح لأي أغنية، فشل تماماً في أن يعلق في الأذهان.

أقرب الأغاني إلى "بشرة خير" كانت أغنية حكيم "أبو الرجولة". وهنا سيخيب أمل المتحفز، ذلك أن "أبو الرجولة" هنا ليس الرئيس السيسي، بل الناخب الذي يحتفي به حكيم ويطلب منه النزول للانتخابات، معتمداً على خلطة "بشرة خير" نفسها تقريباً، مع الملحن عمرو مصطفى، وإن بصوت مختلف، مصري هذه المرة وشعبي، هو "حكيم". لكن الأغنية، على خفتها، تكاد تكون "بشرة خير" في إصدار جديد، فكان نزولها خيبة كبيرة، ولم تحقق النجاح المأمول.

تتعذر الاستعادة المشهدية لانتخابات 2014، كما أن الزعيم المفوض، المدعوم بتأييد "مطلق" من الشعب، تحول إلى "رئيس" شحّ سحره الميتافيزيقي القادر على جعل الناس ترفع بيادات (جزمات) الجيش على رؤوسها تأييداً. فلحظة الهستيريا صارت اعتيادية، واصطدم الناس بالحياة اليومية. وعليه، فإن انتخابات 2018 مثل أغنياتها ودعايتها: باهتة، مكررة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها