الثلاثاء 2018/02/20

آخر تحديث: 19:47 (بيروت)

التلفزيونات اللبنانية: إثارة، تشويق، اغتصاب!

الثلاثاء 2018/02/20
التلفزيونات اللبنانية: إثارة، تشويق، اغتصاب!
increase حجم الخط decrease
حين أطلق مصريون حملة "فضح المتحرشين"، كان الهدف إحراجهم في المجتمع، ومنح الضحايا دعماً معنوياً، وتكريس هذا العمل كاستراتيجية ردع للحد من ظاهرة التحرش. 
أما ما لجأت اليه القنوات اللبنانية لجهة كشف وجوه الضحايا، واستنطاق القاصرين وذوي الاحتياجات الخاصة، مقابل اخفاء وجوه المتورطين، فهو يمثل أذية مزدوجة للضحية الذي أضاف الاعلام الى مأساتها وصدمتها الناتجة عن الاغتصاب، مأساة الانكشاف على مجتمع لا يرحم ضحايا الاغتصاب والتحرش، بكل احواله، خصوصاً أن الواقعتين اللتين ظهرتا مساء الاثنين، هما "سفاح القربى". 

لا جدال في أن ما عرضه جو معلوف ضمن برنامج "هوا الحرية" مساء الاثنين، صادم ويثير الحنق والغضب. فالضحية هذه المرة فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة. وبدلاً من أن تُعامل وفق الاصول العلمية وتحظى بالرعاية، تعرضت لاغتصاب من وحش بشري. 

لكن الصدمة لا تنتهي عند هذه المأساة الانسانية التي تستدعي تحركاً عاجلاً من القضاء، وإنزال أشد العقوبة بحق الجاني. فالصدمة تتمثل في انكشاف الضحية، وخوضها تفاصيل عملية اغتصاب يفترض أن تُشرح فقط لطبيب شرعي، ولقاضي التحقيق، وليس عبر الاعلام. 

ما قالته الطفلة، كشرح يمثل دليلاً قاطعاً على جرم ارتكبه الجاني ونفذ به من المحاسبة بعد توقيفه لمدة تتجاوز العام بقليل، يثير الغضب. ليس مسموحاً أن تقدم الطفلة دليلاً على عملية اغتصابها، على الشاشة. وإذا كانت أمها ارتأت المواجهة عبر الاعلام، لتشكيل رأي عام ضاغط على القضاء لاعادة محاكمة الجاني بدعوى "سفاح القربى" هذه المرة، فإن الضحية يجب أن تُخفى عن الشاشات، منعاً لتهشيم صورتها، ومنعاً لأذيتها النفسية حين تطل على الشاشة لتتحول أمام المشاهدين الى طفلة تثير الشفقة، وهي الخارجة للتو من صدمة الاغتصاب.

قد يمثل كشف الضحية سبقاً يعزز مصداقية البرنامج، لكنه في حالات الاغتصاب يمثل ادانة للبرنامج، لخرقه أعرافاً اجتماعية مؤذية لضحايا الاعتداءات الجنسية، خصوصاً أن الضحايا يأتون من بيئات اجتماعية مهمَلة وتفتقد لتربية على مواجهة التحرش أو معاقبة مرتكبه، وتمهد تلك البيئات لحالات قذرة من هذا النوع. 

على أن السيء في العرض التلفزيوني الذي قدمه جو معلوف، يتمثل في اخفاء وجه المتحرش، عوضاً عن فضحه، مقابل انكشاف الطفلة. فإذا كان التبرير يستند الى رغبة الرجل، فإن المعاملة بالمثل، في أضعف الايمان، تقتضي خلاف ذلك. ولا شيء يبرر كشف وجه الضحية، مقابل تستير الجاني الذي مازال يسعى للاحتفاظ بصورة اجتماعية غير مهشمة. 

وفي الليلة نفسها، تطل حالة "سفاح قربى" أخرى على الشاشة. في هذه المرة، الضحية متوارية خلف ظلال العدسات، بينما انكشف الجاني الذي قضى محكومية في السجن، وزوجته، أم الضحية. في "للنشر"، عرضت قضية مشابهة، بمقاربة أكثر وجعاً، كون الجاني هو الاب، فيما تدافع الام عن زوجها متهمة الابنة بالكذب، من غير أن ينفي الاب قسوته على الطفلة، قبل "فض بكارتها"، بحسب ما جاء في سياق الحلقة. 

والحال ان العروض ذات المحتوى الجنسي، الجاذبة والمثيرة للشفقة والغضب معاً، هي جزء من ملامح العرض التلفزيوني اللبناني الذي يتجه الى مقاربة الملفات الحساسة، بأقل قدر من المسؤولية. كما يقارب ملفات الجنس بعرض فصائحيّ. التحدي اليوم يتمثل في القدرة على احضار الضيف (وغالباً المجني عليه/ها) الى الاستديو، لاثبات قوة البرنامج. وهي مقاربة قد تكون ضرورية في الاعراف التلفزيونية. لكنها في الواقع، تكشف خروج الاعلام عن الضوابط الاجتماعية، مع ان الاعلام هو أكثر من يعرفها.. رأفة بالضحايا!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها