الجمعة 2018/01/05

آخر تحديث: 16:17 (بيروت)

على قارعة الاحتجاجات.. ناشطون إيرانيون ينتظرون صورة من قرب

الجمعة 2018/01/05
على قارعة الاحتجاجات.. ناشطون إيرانيون ينتظرون صورة من قرب
احتجاجات طلابية محدودة في جامعة طهران (غيتي)
increase حجم الخط decrease
ما زالت الصورة التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي عن الاحتجاجات الإيرانية ناقصة إلى حد ما، بعد أكثر من أسبوع على نزول الإيرانيين إلى الشوارع في عدد من المدن الإيرانية، من بينها العاصمة طهران ومدينة مشهد ذات الثقل السياسي والديني. ومع عدم وجود مقطع فيديو أيقوني واحد يجمع الثائرين حوله، فضلاً عن عدم تجلي الحركة الحالية عن قيادة على الأرض أو حركة تنظيمية موحدة عبر الإنترنت المقيد بشدة من طرف السلطات، يصبح مستقبل الاحتجاجات ضبابياً، بالمقارنة مع الثورة الخضراء العام 2009، وثورات الربيع العربي، التي رغم فشل بعضها، إلا أنها قدمت كمّاً من الميديا الكافية لإحداث أثر لا يمكن الاستهانة به.


وبرزت قلة مقاطع الفيديو والصور المتدفقة من إيران بشكل واضح منذ اليوم الأول للتظاهرات في 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي، مدفوعة بعوامل عديدة. فمن جهة تقيد إيران إمكانية الوصول للعديد من التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي وتفرض قيوداً متعددة على الإنترنت وسرعة التصفح، كما حجبت بشكل "مؤقت" إمكانية الوصول إلى تطبيق "تيليغرام" الذي يستخدمه نحو 40 مليون إيراني، فيما لا يتم استخدام تطبيق "واتس أب" لتداول ما له صلة بالاحتجاجات لكونه لا يتمتع بدرجة عالية من التشفير في مواجهة الرقابة الرسمية. بينما تبرز مسألة من يقود التظاهرات ومن يشارك فيها كسبب إضافي مؤثر.

وتشير تقارير غربية إلى أن الاحتجاجات اندلعت في المناطق المهمشة والمحافظات البعيدة وليس في طهران، وهيمنت عليها الطبقة العاملة والطبقة الدنيا الإيرانية بدلاً من الطبقة الوسطى الحضرية المتعلمة التي قادت تظاهرات العام 2009، وظهرت فيها شعارات ثورية بدلاً من الإصلاحية، ورغم التشابه الظاهري مع النموذجين المصري والتونسي إلا أن الحالة الإيرانية اليوم تختلف في نقطة جوهرية تتمثل في بقاء الناشطين المؤثرين في الداخل الإيراني على الهامش بانتظار أن يتضح المشهد المقلق، بسبب ميل التظاهرات إلى العنف والتقارير التي تفيد بأن الاحتجاجات منظمة من طرف المتشددين ضد الرئيس الإصلاحي حسن روحاني في حرب داخلية على السلطة.

ورغم أن الاحتجاجات في مصر وتونس، بدأت من أماكن ريفية مهمشة، إلا أن الحراك توسع من نطاقه المحلي إلى نطاق إقليمي مع توسع الثورات العربية في اليمن وفي سوريا بإلهام من الصور المتدفقة من تونس ومصر عبر قناة "الجزيرة" وعبر "فايسبوك"، وتعزز ذلك بانضمام طبقة الناشطين إلى التظاهرات وقيادتهم لها أيضاً، بنموذج ميدان التحرير بشكل خاص. وحتى الآن في إيران، لا دليل على أن الاحتجاجات الجديدة أتت نتيجة لتوسع الربيع العربي إقليمياً بعد مرور كل هذه السنوات، على الرغم من الإغراء الإعلامي لاستخدام هذه المقاربة، حيث حصلت الاحتجاجات وسط حروب اقليمية مكثفة ونداءات متزايدة من طرف الإدارة الأميركية الجديدة للتخلي عن لااتفاق النووي ومواجهة طهران بقوة أكبر.

ويجب القول أن الناشطين الشباب في مصر كانوا يتظاهرون طوال عقد من الزمن بطرق خلاقة قبل العام 2011، لكنهم لم يتمكنوا من تلقاء أنفسهم من تشكيل تهديد خطير على الدولة، وبالنظر إلى تشابه الوضع العام في مصر وإيران التي تمتلك تاريخاً طويلاً في الاحتجاج العام وعدم سيطرة السلطات على كافة وسائل الإعلام مثل بقية الدول العربية كسوريا مثلاً التي تسيطر على كافة أشكال السياسة العامة، يجب القول أن الاحتجاجات الإيرانية لم تقدم سوى القليل عن المظالم الشعبية التي قد لا يدركها الإيرانيون جميعاً، وهذا بسبب عدم انضمام الناشطين إلى حركة الاحتجاج بعد، أي أن التمازج بين الحركة الشعبية وطبقة الناشطين ضروري لإحداث تأثير واسع يرفع الاحتجاجات من طبيعتها الحالية إلى مستوى الثورة.

الوضع السابق بدأ بالتغير جزئياً خلال اليومين السابقين رغم إعلان النظام الإيراني الأربعاء أن الاحتجاجات تنحسر، مع زيادة ملحوظة في مقاطع الفيديو المشاركة عبر "تويتر". وإن كان العديد من مقاطع الفيديو يُنشر من طرف ناشطين تابعين لحركة "مجاهدي خلق" المعارضة، إلا أن ذلك قد لا يحقق التأثير المطلوب منها، داخلياً، لكون الحركة ناشطة من المنفى منذ وقت طويل فضلاً عن احتمال وجود صورة سلبية لها مرتبطة بكثافة البروباغندا الرسمية ضدها طوال عقود. وبعد دعوة الإدارة الأميركية، عبر وكيل وزارة الخارجية ستيف غولدشتاين، إيران لفتح المواقع المحجوبة في البلاد، الأربعاء، بدا أن الناشطين المحليين في الداخل الإيراني يتحركون أخيراً، بإطلاقهم حملة موسعة عبر مواقع التواصل لرفع الحجب عن الإنترنت.

اللافت أن العاصمة طهران ما زالت بعيدة بشكل واضح عن زخم التظاهرات مقارنة بمدن أخرى، رغم كونها المحرك الأول للثورة الخضراء. وتشير تقارير غربية إلى أن عدداً معتبر من الناشطين المحليين هناك يبعدون أنفسهم عن الاحتجاجات الحالية لاعتبارات عديدة. فبعضهم ينأى بنفسه عن "الثورة الريفية" أو "المتشددة" بشكل يعكس الشرخ الحالي في المجتمع الإيراني بين الإصلاحيين والمتشددين، والذي برز بشكل واضح خلال الانتخابات الماضية بشخصية المرشح الديني الشعبوي ابراهيم رئيس. أي أن ناشطي ومتعلمي الطبقة الوسطى يرفضون الاحتجاجات الإقليمية التي يرون انه لا طائل منها، بوصفها عنيفة جداً وغير منضبطة. ويرى آخرون، الفوضى والعنف في سوريا المجاورة، والقلق بشأن ما يمكن أن يحدث إذا عانت إيران من انهيار مماثل في السلطة.

والحال أن الطبيعة المزدوجة للنظام الإيراني، بين القيادة الدينية التي يمثلها المرشد الأعلى علي خامنئي، والقيادة شبه الديموقراطية التي يمثلها منصب الرئاسة، تجعل الناشطين الباقين في الداخل الإيراني، والذين لم يتم نفيهم بعد، مقتنعين إلى درجة كبيرة بفكرة إصلاح النظام. ولذلك يظهرون تخوفاً من الاحتجاجات الحالية بوصفها حركة موالية للمتشددين ضد الرئيس حسن روحاني، والذي رغم فشله في تحقيق وعوده الانتخابية الإصلاحية، الداعمة للحريات المدنية وتحقيق فوائد اقتصادية من الاتفاق النووي، ما زال يحظى بثقة ناخبيه الذين يلومون فشله على العوائق التي فرضها المتشددون وقوات الحرس الثوري الإيراني على مساره الإصلاحي، فضلاً عن الأثر النفسي الذي أحدثته حملة القمع المروعة ضد الثورة الخضراء العام 2009 والتي أطاحت بقادتها مير حسين موسوي ومحمد خاتمي بوضعهما تحت الإقامة الجبرية إلى اليوم.

وفى سلسلة من المقابلات أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية" قال عدد من ناشطي طهران أنهم يشعرون بالضيق مثل أي شخص آخر، بسبب الفساد الواسع فى البلاد وارتفاع معدلات البطالة وانعدام الحريات، لكن معظمهم قال أنه لا يعرف أي شخص انضم إلى الاحتجاج في الأيام الأخيرة. وقال "فرهاد"، وهو خبير في مجال الأمن السيبراني (33 عاماً) وقد رفض الكشف عن اسمه الحقيقي خوفاً من الانتقام من جانب السلطات: "ربما تكون هناك عواقب أمنية. أو ربما الناس في طهران ليسوا مهتمين فقط".

وبشكل مشابه، قال الناشط البارز خلال الثورة الخضراء علي سابيفاري، البالغ من العمر اليوم 33 عاماً: "كنا حينها نكافح من أجل حقوقنا ومستقبلنا، وكان لدينا هيكل، وخطة. لكن هذه المرة، نحن أكبر في السن، لكننا أكثر حكمة"، معتبراً أن "الاحتجاجات لا تجذبه" لأن: "هؤلاء الناس لا يعرفون ما يريدون. ليست لديهم فكرة واضحة، ولا أحب شعاراتهم، أريد أن ينفتح مجتمعنا لمزيد من الديموقراطية، لكني لا أرى كيف ستحقق الاحتجاجات العنيفة ذلك".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها