الأحد 2018/01/21

آخر تحديث: 18:29 (بيروت)

"غصن الزيتون": صراع الحرب والسلام في مواقع التواصل

الأحد 2018/01/21
"غصن الزيتون": صراع الحرب والسلام في مواقع التواصل
increase حجم الخط decrease
أثارت تسمية "غصن الزيتون" التي أطلقتها أنقرة على العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين شمال سوريا، استغراب المعلقين في مواقع التواصل الاجتماعي، كالإعلامي اللبناني يزبك وهبي في "تويتر"، بسبب تضاربها مع الدلالة المتعارف عليها للعبارة كرمز تاريخي للسلام والمبادرة به.


لكن الرد الكردي بإطلاق تسمية "حراس الزيتون" على "قوات سوريا الديموقراطية" المستهدفة في العملية، يحيل التساؤل الأول من مساره السطحي نحو سؤال أكثر جوهرية يتعلق بمعنى السلام أصلاً في بلاد غير مستقرة مثل سوريا تشهد حرباً مستمرة منذ سبع سنوات.

وفيما تشتهر منطقة عفرين بزراعة أشجار الزيتون، وتعطي معنى أكثر حرفية للتسميتين، إلا أن تتبع التصريحات الكردية والتركية على حد سواء يعطي سياقاً مختلفاً للحرب، يتعلق "بإرساء السلام في الشرق الأوسط" ككل، على حد وصف وزير الخارجية التركي، علي يلدريم. وينسحب ذلك إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتشكيل سياق أشمل للعملية، يبحث فيه السوريون عن معاني الشرعية والانتماء في البلاد الممزقة.

وبينما كانت تركيا بعمليتها السابقة "درع الفرات" و"قوات سوريا الديموقراطية"، بشكل منفصل، جزءاً من التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، لإحلال "السلام" في المناطق التي كان التنظيم يفرض حكمه الوحشي عليها طوال سنوات، تأتي العملية الأخيرة ترويجاً لحماية ذلك "السلام" في نطاقه المحلي من جهة، وللاستناد عليه من أجل توسيع نطاقه تحقيقاً لأهداف إقليمية من جهة ثانية، وخصوصاً من جانب تركيا التي كانت تخشى دائماً الوجود الكردي على حدودها الجنوبية المضطربة منذ عقود، بسبب تمرد يقوده حزب العمال الكردستاني، المحظور.

القلق التركي تزايد مع دعم الولايات المتحدة للأكراد السوريين بوصفهم شركاء ضد "داعش"، وبسبب الرغبة المعروفة لدى الأكراد في إقامة منطقة حكم ذاتي في المناطق التي سيطروا عليها بعد "داعش"، بعد فشل الاستقلال في إقليم كردستان العراق المجاور.

المقاربة السابقة تبرز بوضوح في مواقع التواصل الاجتماعي السورية. فالأكراد السوريون يصورون أنفسهم بأنهم حليف أفضل للولايات المتحدة، من تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، لأن تلك الأخيرة "ترعى الإرهاب السني الذي تمثله بقية فصائل المعارضة". أما بعض السوريين العرب المعارضين، فيصورون التدخل التركي على أنه تحرير للمناطق العربية من الغزو الكردي "الأجنبي".

والحال أن الطرح التركي، والردّ الكردي المضاد، يعطي لمحة عن تعقيدات الاستقرار في سوريا التي يروج فيها النظام لنهاية الحرب وانتصاره، لأنه من الواضح حسب نموذج عفرين، ومناطق أخرى، أن السيطرة على الأرض لا تكفي للحصول على الشرعية وإقامة حكم مستدام ومستقر على المدى البعيد، وهو ما يعني أن الحرب الأهلية مستمرة بشكل عبثي إلى أجل غير مسمى بتوليده صراعات عقيمة جديدة بين القوى المختلفة المنخرطة فيها.

ويجب القول أن الجدل بين السوريين حول المعركة في عفرين يتخذ شكلاً وضيعاً من السباب والشتائم وتبادل التخوين، ويظهر بوضوح ما تعنيه الحياة في سوريا اليوم ومعنى الانتماء إلى البلاد الممزقة بفعل الحرب، إلى جانب الحقيقة الصارخة بأن الدولة التي عرفت في يوم ما باسم سوريا توقفت بالفعل عن الوجود، مع وجود أطراف خارجية متعددة فاعلة في إدارة البلاد وصناعة قراراتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها