ويوحي تعاطي الموالين للنظام مع الصور، وكأنها حدث صادم يستدعي التوقف عنده بـ"حزم" من القيادة وإيصال الصور المروعة للجسد الدامي لوزير الدفاع ورئيس النظام بشار الأسد لـ"المحاسبة" و"إحقاق العدالة"، بأنهم كانوا يعيشون في كوكب منفصل أو في عالم مواز يعيش فيه الجميع بسعادة إلى الأبد مع "فارسهم النبيل"، أي بشار الأسد، لتأتي مثل هذه الصور والحوادث المفاجئة كمنعطف قاتم "Dark Twist" في مجريات الحكاية الخيالية لتثير لديهم استياء لا يتجاوز الحادثة نفسها نحو التشكيك بالحكاية الوهمية التي تكرر نفسها طوال عقود، بانتظار "حل سحري" ما.
الرومانسية المتخيلة عن طبيعة الفكر الموالي، ليست مجرد حذلقة لغوية، بقدر ما هي التوصيف المثالي للمنطق الموالي مع مجريات الحرب السورية والتي حافظ خلالها الموالون لاعتبارات مختلفة، اقتصادية واجتماعية وأمنية، على إيمانهم بفكرة "رومانسية" تفيد بأن النظام نفسه قابل للإصلاح مع نهاية الحرب، وذلك فعلياً جوهر الخلاف الفكري بينهم وبين المعارضين الذين يؤمنون بضرورة التغيير الجذري.
والحال أن الصورة ليست جديدة في سوريا الأسد، حيث أفرزت الحرب السورية آلاف الصور لتعذيب معتقلين ومدنيين في مناطق معارضة على يد النظام وحلفائه، من دون الحديث عن صور القتل اليومية أو الصور الآتية من التنظيمات التكفيرية مثل "داعش". وإن كان ذلك العنف مبرراً وضرورياً من أجل "الحفاظ على الدولة السورية" في الفكر الموالي إلا أنه يصبح "صادماً" و"خاطئاً" عندما يتم توجيهه نحو "المواطنين" و"جنود جيش القديسين". أي أن هوية من يتعرض لفعل الضرب أو التعذيب والقتل تحدد مدى شرعيته، بدلاً من نبذ كل تلك الجرائم بغض النظر عن سياقها في المقام الأول.
وفيما تظهر حادثة الضرب معنى الحياة في سوريا الأسد بشكل فج وصادم للموالين الذين اعتبروا أن عنف النظام و"جدوى الحل العسكري" أمران ضروريان للحفاظ على طوباوية حكايتهم الخيالية التي يريدون العيش فيها مجدداً، خصوصاً أن ذلك العنف لم يكن موجهاً ضدهم بل كان موجهاً ضد السوريين المعارضين الرافضين لوهم جمال الحياة في الشمولية الأسدية، والذين استيقظوا وثاروا مطالبين بالحرية والديموقراطية، مع تركيز بروباغندا النظام وتحديداً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على النوستالجيا للحياة "البسيطة" قبل الثورة، لتعزيز العالم الوهمي لدى الموالين.
بالتالي، كان الإحباط السائد في تعليقات الموالين ناتجاً من شعور سابق حطمته الصورة وهو الأمل النوستالجي بعودة الحياة السورية إلى طبيعتها، والذي يأتي بدوره من تورط عاطفي أعمق بالانتماء للوطن، والذي يكمن فيه الشرخ الأكبر ضمن المجتمع السوري اليوم، ويمكن تلخيصه بالتساؤل عن معنى الانتماء للبلاد الممزقة بفعل الحرب الطويلة، إلى جانب الحقيقة الصارخة بأن الدولة التي عرفت في يوم ما باسم سوريا توقفت بالفعل عن الوجود، مع وجود أطراف خارجية متعددة فاعلة في إدارة البلاد وصناعة قراراتها السياسية، ومع عدم وجود أي مبادرات لتحقيق تقارب بين وجهات النظر المختلفة التي تشكلت بعد الثورة في البلاد. كل ذلك يمثل مشكلة لن يتم حلها في المستقبل القريب حتى لو انتهت الحرب من دون حل سياسي حقيقي يعيد إلى كثير من "السوريين" ذلك الشعور المفقود بالمواطنة والانتماء.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها