الأحد 2018/01/14

آخر تحديث: 15:56 (بيروت)

ضرب جندي في حلب: منعطف قاتم لحكاية "سوريا الأسد"

الأحد 2018/01/14
ضرب جندي في حلب: منعطف قاتم لحكاية "سوريا الأسد"
جنود النظام في حلب (Getty)
increase حجم الخط decrease
أكثر ما يثير الاستغراب في الصور المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاعتداء بالضرب على أحد جنود النظام السوري في حلب، من قبل "دورية أمنية"، ليس حادثة الضرب نفسها، باعتبارها أمراً طبيعياً في دولة شمولية كـ"سوريا الأسد"، بل حالة الدهشة التي تعم صفوف الموالين للنظام في تعليقاتهم عليها، وكأنهم يرون هذا المشهد الوحشي للمرة الأولى، ولم يكونوا يراقبون ما يجري في البلاد بعد الثورة السورية، وحتى قبلها.

ونشرت صفحات موالية للنظام صورة لجندي في جيش النظام وعلى ظهره آثار تعذيب وحشي، موضحة "أنه تعرض للضرب على يد قائد دورية أمنية مشتركة في حي القاطرجي بحلب"، وذلك "لعدم وجود إجازة معه رغم أنه أبرز هويته العسكرية كصف ضابط، واقتيد بعدها إلى الفرع"، فيما اشتكى عشرات العناصر من قوات الأسد في تعليقاتهم على الصورة من "التعامل السيء معهم دون تقدير لسنوات الخدمة".

ووفق مراسل النظام البارز شادي حلوة فإن "رئيس الدورية انهال على الجندي بالصراخ لعدم وجود إجازة معه" ونقل حلوة حواراً من داخل الفرع مفاده: "قال له المساعد: أنت في الخارج قائد مجموعة وحاربت، ولكن داخل الفرع مقامك تحت قدمي"، فيما اشتكى العشرات من الملف الأمني في حلب التي تنتشر فيها الميليشيات التي تفرض سلطتها بالقوة.




ويوحي تعاطي الموالين للنظام مع الصور، وكأنها حدث صادم يستدعي التوقف عنده بـ"حزم" من القيادة وإيصال الصور المروعة للجسد الدامي لوزير الدفاع ورئيس النظام بشار الأسد لـ"المحاسبة" و"إحقاق العدالة"، بأنهم كانوا يعيشون في كوكب منفصل أو في عالم مواز يعيش فيه الجميع بسعادة إلى الأبد مع "فارسهم النبيل"، أي بشار الأسد، لتأتي مثل هذه الصور والحوادث المفاجئة كمنعطف قاتم "Dark Twist" في مجريات الحكاية الخيالية لتثير لديهم استياء لا يتجاوز الحادثة نفسها نحو التشكيك بالحكاية الوهمية التي تكرر نفسها طوال عقود، بانتظار "حل سحري" ما.

الرومانسية المتخيلة عن طبيعة الفكر الموالي، ليست مجرد حذلقة لغوية، بقدر ما هي التوصيف المثالي للمنطق الموالي مع مجريات الحرب السورية والتي حافظ خلالها الموالون لاعتبارات مختلفة، اقتصادية واجتماعية وأمنية، على إيمانهم بفكرة "رومانسية" تفيد بأن النظام نفسه قابل للإصلاح مع نهاية الحرب، وذلك فعلياً جوهر الخلاف الفكري بينهم وبين المعارضين الذين يؤمنون بضرورة التغيير الجذري.

والحال أن الصورة ليست جديدة في سوريا الأسد، حيث أفرزت الحرب السورية آلاف الصور لتعذيب معتقلين ومدنيين في مناطق معارضة على يد النظام وحلفائه، من دون الحديث عن صور القتل اليومية أو الصور الآتية من التنظيمات التكفيرية مثل "داعش". وإن كان ذلك العنف مبرراً وضرورياً من أجل "الحفاظ على الدولة السورية" في الفكر الموالي إلا أنه يصبح "صادماً" و"خاطئاً" عندما يتم توجيهه نحو "المواطنين" و"جنود جيش القديسين". أي أن هوية من يتعرض لفعل الضرب أو التعذيب والقتل تحدد مدى شرعيته، بدلاً من نبذ كل تلك الجرائم بغض النظر عن سياقها في المقام الأول.

وفيما تظهر حادثة الضرب معنى الحياة في سوريا الأسد بشكل فج وصادم للموالين الذين اعتبروا أن عنف النظام و"جدوى الحل العسكري" أمران ضروريان للحفاظ على طوباوية حكايتهم الخيالية التي يريدون العيش فيها مجدداً، خصوصاً أن ذلك العنف لم يكن موجهاً ضدهم بل كان موجهاً ضد السوريين المعارضين الرافضين لوهم جمال الحياة في الشمولية الأسدية، والذين استيقظوا وثاروا مطالبين بالحرية والديموقراطية، مع تركيز بروباغندا النظام وتحديداً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على النوستالجيا للحياة "البسيطة" قبل الثورة، لتعزيز العالم الوهمي لدى الموالين.

بالتالي، كان الإحباط السائد في تعليقات الموالين ناتجاً من شعور سابق حطمته الصورة وهو الأمل النوستالجي بعودة الحياة السورية إلى طبيعتها، والذي يأتي بدوره من تورط عاطفي أعمق بالانتماء للوطن، والذي يكمن فيه الشرخ الأكبر ضمن المجتمع السوري اليوم، ويمكن تلخيصه بالتساؤل عن معنى الانتماء للبلاد الممزقة بفعل الحرب الطويلة، إلى جانب الحقيقة الصارخة بأن الدولة التي عرفت في يوم ما باسم سوريا توقفت بالفعل عن الوجود، مع وجود أطراف خارجية متعددة فاعلة في إدارة البلاد وصناعة قراراتها السياسية، ومع عدم وجود أي مبادرات لتحقيق تقارب بين وجهات النظر المختلفة التي تشكلت بعد الثورة في البلاد. كل ذلك يمثل مشكلة لن يتم حلها في المستقبل القريب حتى لو انتهت الحرب من دون حل سياسي حقيقي يعيد إلى كثير من "السوريين" ذلك الشعور المفقود بالمواطنة والانتماء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها