الأحد 2017/09/10

آخر تحديث: 14:43 (بيروت)

تايلور سويفت ونوال الزغبي.. بناء الحاضر بجمال الماضي

الأحد 2017/09/10
تايلور سويفت ونوال الزغبي.. بناء الحاضر بجمال الماضي
increase حجم الخط decrease

لا يبدو للوهلة الأولى أن هناك تشابهاً بين الفيديو المصور الذي أصدرته المغنية الأميركية تايلور سويفت "لوك وات يو ميد مي دو"، وفيديو كليب أغنية "غريبة هالدني" للفنانة اللبنانية نوال الزغبي، مع الإبهار والحيوية الذي يغمر الأول والبساطة إلى حد الجمود في الثاني، إضافة للاختلاف الشاسع بينهما في التقنيات البصرية والمشاهد وصناعة الصورة، إلا أن نظرة معمقة على المقطعين تكشف أنهما يستمدان فلسفتهما من فكرة واحدة تقوم على استرجاع الماضي ومقاومة "الحق في النسيان".

ويقوم المقطعان على استرجاع لقطات سابقة من كليبات أيقونية للنجمتين، إنما لأغراض مختلفة تماماً، ففي عرض بصري مبهر، استرجعت سويفت (27 عاماً) شخصياتها القديمة وقتلتها واحدة تلو الأخرى قبل أن تتسلق جبلاً من جثث تمثل ذاتها القديمة معلنة بداية مرحلة فنية جديدة لنفسها، تقوم على موسيقا "البوب" كنمط أساسي، بعيداً عن موسيقا "الكانتري" التي انطلقت منها ثم موسيقا "البوب - كانتري" التي أوصلتها إلى قمة النجومية العالمية.


وبشكل مشابه أقل زخماً، قدمت الزغبي (45 عاماً) لقطات من كليباتها السابقة ضمن استعراض راقص العام 2013 مع المخرج جاد شويري، كتذكير بأمجاد نوال السابقة الممتدة منذ مطلع التسعينيات، ويمكن بسهولة تمييز لقطات من أغانٍ ضاربة لها مثل "غريب الراي" و"حاسب نفسك" و"معرفش ليه" قبل أن ترتدي تاجاً وتقف على تلة صغيرة من الأجساد البشرية التي لا تمثل هنا ذاتها القديمة، بل النسخ المشوهة من الفنانات العربيات المنتشرات في الساحة الفنية، لتعلن أيضاً ولادتها الجديدة بعد سنوات من الصعوبات الشخصية والمشاكل الفنية التي ترافقت بدعوات مستمرة لاعتزالها بالقول أنها أفلست فنياً، وكأنها تصرخ بأنها سلطانة الفنانات العربيات، انطلاقاً من ماضيها المستعاد ورغبتها في البقاء.

لم تسرق سويفت فكرة الزغبي الضبابية التي تحتاج تفسيراً مكتوباً لالتقاطها واستيعابها، وتفوقت عليها في مستوى الإبهار والإتقان مثلما يليق بنجمة عالمية، والمقارنة بين المقطعين تظهر الفرق الشاسع بين صناعة الترفيه في الولايات المتحدة من دون حواجز فكرية ومادية، والمحاولات الفردية لتقديم فن جماهيري مختلف التي لا ترتقي الى مستوى احترافي حقيقي في المنطقة العربية.

ولا يشكل ذلك بطبيعة الحال انتقاصاً من الزغبي التي تمتلك أرشيفاً ومكانة مهمة في موسيقا الشرق الأوسط، إذ يلعب حجم الإنتاج في صناعة الموسيقا العالمية دوراً بارزاً في الوصول إلى النتيجة النهائية المختلفة عن الإنتاجات المحلية، ما يجعل كليب "غريبة هالدني" فقيراً وتعيساً يتم تصويره في استوديو صغير مقارنة بالمواقع الكثيرة التي ظهرت فيها سويفت وتعدد الرموز التي قدمتها لتجسيد فكرة القيامة الذاتية، بداية بتجسيد شخصية "زومبي"يعود للحياة  انتهاء بمشهد الصليب في النهاية، ومروراً باللقطة الأكثر تشويقاً عندما تقول تايلور أن شخصيتها القديمة ماتت للأبد.

وهنا، لا تقتبس سويفت من ماضيها فقط، بل تحاول تكريس نفسها ضمن رموز موسيقا البوب، فلقطات الزومبي تذكر بكليب "ثريلر" الأيقوني لملك البوب الراحل مايكل جاكسون العام 1981، فيما تحتوي مشاهد أخرى إشارات إلى نجوم مثل بريتني سبيرز ومادونا ومايلي سايرس وكاتي بيري، وصولاً لتشبيه كيم كارديشيان وزوجها كيني ويست بأنهما زوج من الأفاعي الشريرة. ومن البديهي أن الزغبي في المقابل لم تقدم إي إشارة للفنانات المنافسات لها، بسبب طبيعة الوسط الفني في الشرق الأوسط القائمة على المجاملات بدلاً من الصراحة، فضلأً عن حجم "الأنا" الفني ومقدار النجومية الذي يغذيه والذي يشكل معياراً لهذا النوع من الأعمال الذاتية الملتصقة بشخصية الفنان نفسه وتعبيره عن ذاته بشكل مباشر.


والحال أن اجترار الماضي وإعادة تقديمه بطريقة مبتكرة في سياق جديد ليس منفصلاً عن الموسيقا كصناعة ربحية من صناعات الترفيه المعاصرة، ففي الشكل يبدو أن سويفت تغتال ماضيها وتتنكر له بناء على أزماتها العاطفية الأخيرة والانتقادات الكثيرة لها بالعودة إلى نمطها الموسيقي الريفي القديم و"المحتشم"، لكنها في الواقع تكرس ذلك الماضي وتستند إليه كي تصل إلى مستوى جديد وجمهور جديد لم تكن قادرة على الوصول إليه في نوعية موسيقاها السابقة، مع يقين أن حجم نجوميتها السابق سيكون كفيلاً بجذب أغلبية الفئات القديمة من جمهورها إلى جانبها، لأنهم بساطة يتقبلون تنوعها وخياراتها الجديدة كجزء من محبتهم لها.

ويبدو أن تلك المراهنة حققت المكاسب المرجوة منها، حيث تصدرت "لوك وات يو ميد مي دو" لوائح الموسيقا حول العالم، بما في ذلك تصدرها قوائم الموسيقا البريطانية لأول مرة مرة في تاريخ سويفت الفني، علماً أنها استطاعت إزاحة أغنية "ديسباسيتو" الشهيرة عن المرتبة الأولى في قوائم "بيلبورد" والتي احتلتها لـ 16 أسبوعاً متتالياً، لتكون سويفت أول مغنية أنثى تتصدر لوائح الموسيقا الأميركية هذا العام. فضلاً عن تحقيق الأغنية عدداً من الأرقام القياسية.

وحظيت الأغنية، وهي أول عمل مفرد تطرحه سويفت خلال عامين، بنجاح واسع في موقعي "يوتيوب" و"سبوتيفاي". ففي الأسبوع الأول لطرحها، جرى الاستماع للأغنية 5.3 مليون مرة عبر الإنترنت، كما حطمت الأغنية الأخيرة الرقم القياسي لعدد المرات التي بثت خلال يوم واحد عبر منصة "يوتيوب" ومنصة "سبوتيفاي" للبث التدفقي التي عادت اليها سويفت بعد مقاطعة طويلة، كما قالت شركة "نيلسن ميوزيك" ان الأغنية الضاربة باتت تحتل المركز الثاني بين أكثر الأغاني استماعاً عبر كل منصات البث التدفقي، بعد أغنية "هارلم شايك" الصادرة العام 2013.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها