الإثنين 2017/07/24

آخر تحديث: 19:12 (بيروت)

عُمان وحيدة العرب في "أولمبياد الروبوت"

الإثنين 2017/07/24
عُمان وحيدة العرب في "أولمبياد الروبوت"
مثّل فريق عُماني مكوّن من الأخوين حمّود وعلي ناصر السعدي دولتهما في "أولمبياد الروبوت الأول للمدارس"
increase حجم الخط decrease
لولا نازح سوري يعيش في لبنان، وإثنان من الصم البكم ولدا في عُمان وترعرعا على مسابقات متنوعة للكومبيوتر والروبوت، لفقد العرب ممثليهم في "الأولمبياد الأول للروبوت" Robot Olympics الذي اختتم قبل أيام قليلة في واشنطن. 
لماذا غاب الإعلام العربي بأنواعه ووسائطه عن تلك المسابقة أيضاً، على رغم انبهاره الذي لا نهاية له بكل ما يتّصل بثورة المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة؟ لا إجابة واضحة عن ذلك، سوى أن الانبهار هي حال تتضمّن شللاً في القدرة المستقلة على التفكير والتوازن والمقارنة والنقد والاستخلاص والاستنتاج والعمل المنظّم وغيرها، هي من الأعمال التي ينجزها العقل المُدبّر وليس المشلول بالانبهار!

ومثّل فريق عُماني مكوّن من الأخوين حمّود وعلي ناصر السعدي دولتهما في "أولمبياد الروبوت الأول للمدارس"، وهي التسميّة الفعلية للمسابقة، فكان فريقاً وحيداً منفرداً في تمثيل العرب كدول. في المقابل انفرد السوري نبيه الخطيب في تمثيل شعب بلاده، علماً بأن الخطيب جاء إلى المسابقة تحت رعاية برنامج "هوب" Hope (ترجمتها حرفيّاً هي "الأمل")، لأنه نزح من سوريا بأثر الأزمة التي تعيشها منذ "الربيع العربي".

يبدو أن النزوح ليس عبثاً، لأن الدولة السوريّة "الماضية" لم تكن تهتم بالمسابقات التي توصل إلى أولمبياد الروبوت، خصوصاً تلك التي تشمل الشباب في عمر التحصيل المدرسي في مرحلة ما قبل الجامعي. ألم تندلع تظاهرات "الربيع العربي" في سورية، بحراك من طلبة في مدارس في المرحلة الثانوية وما قبلها، خصوصاً تلك التي جابت شوارع مدينة درعا مطالبة برحيل نظام الأسد؟

سباق الجسد والعقل في أولمبياد الروبوت

 ثمة توضيح واجب. هناك مسابقة أولمبية للروبوت Robot Olympics، بمعنى أنها تختبر القدرات المختلفة للروبوت في الألعاب الرياضية والعقلية، تجري منذ ما يزيد على ربع قرن، لأن المسابقة الأولى انطلقت في "غلاسكو" عاصمة اسكتلندة في العام 1990. وتتضمن المسابقة معنى رفع قدرات الروبوت كي يصبح "مُحاكياً" للبشر ومماثلاً لهم، خصوصاً في الذكاء والقدرة على التفكير المستقل. وبأثر من مفهوم شائع عن الترابط عند البشر بين قدرات الجسد (الحركة بأنواعها المختلفة) والذكاء بأشكاله المتنوّعة، يتضمّن أولمبياد الروبوت مسابقات حركيّة وفكرية. ولذا، يتضمّن الأولمبياد منافسات تركّز على "جسد" الروبوت، كقذف الرمح  والتأرجح على عارضة التوازي والتسلق على الجدار واجتياز الموانع وغيرها، إضافة إلى مسابقات فكريّة محضة كالكلام وحسن السلوك مع الآخر وغيرها.
إذاً، من أين جاءت تسمية "الأول" في الأولمبياد الذي استضافته واشنطن في شهر تموز (يوليو) الجاري؟ أولاً، يجب التشديد على أن لا علاقة مباشرة أبداً بين أولمبياد الروبوت وبين "الأولمبياد" الأميركي. ثانياً، جاءت الريادة  للمسابقة الأميركيّة بكونها أول مسابقة أولمبية للروبوت على مستوى المدارس، خصوصاً المرحلة الثانويّة. ثالثاً، رعى برنامج "ستيم" STEM الشهير المسابقة الأميركية، عبر مؤسسة "فيرست" FIRST التي تعنى بتعميم برنامج "ستيم" على المستوى العالمي، سعياً منها لنشر الاهتمام بالرياضيات والعلوم بين الأجيال الشابة. إذ تأتي تسمية "ستيم" من الحروف الأولى لعبارة Science, Technology, Engineering & Mathematics (ترجمتها حرفيّاً هي "علوم وتكنولوجيا وهندسة ورياضيّات").  وفي ذلك السياق، أصرت "فيرست" على أن يكون "الأولمبياد الأول للروبوت في المدارس" استمراراً لمسابقات في الروبوت يرعاها برنامج "ستيم" منذ سنوات طويلة، وتحمل إسم "دوري فيرست للروبوت المركّب بطريقة الليغو"  FIRST Robot Lego League. (نفتح قوساً للتنبيه إلى الالتباس الذي ربما يقع فيه البعض لكون إسم مؤسسة "فيرست"، يعني "الأول" أيضاً).

الحارثي بوصفه "المُعلّم" حقاً وفعلاً

وفي السنة المنصرمة، تفوّق الأخوان العُمانيّان حمود وعلي ناصر السعدي في مسابقة "دوري فيرست لليغو"، وهي مسابقة ترتكز إلى القدرة على تركيب روبوت استناداً إلى مجموعة محدّدة من القطع والأجزاء. بقول آخر، يعطى المشاركون كلّهم نفس المجموعة من قطع الروبوت وأجزائه، فيكون التفوّق لمن يحسن استخدام تلك القطع لتركيب روبوت يكون متفوّقاً على الآخرين. وفي "الأولمبياد الأول للروبوت" للمدارس، أضافت "فيرست" شرطاً جديداً قضى باستخدام القطع في صنع روبوت يستطيع أن "ينظّف" المياه من "التلوّث". وفي ساحة المسابقة، وضعت كرات بلون معين لتشير إلى التلوّث، فيما أشارت كرات بلون مغاير إلى التخلّص من التلوّث.

ويدين العُمانيّان بالفضل في مشاركتهما في أولمبياد الروبوت، لأستاذهما  غالب الحارثي الذي حقّق المعنى الفعلي تربويّاً لكلمة معلّم. إذ ولدا مفتقدين إلى القدرة على النطق والسمع، بل لم ترسلهما عائلتهما إلى المدرسة إلا في سن التاسعة. وفي مدرسة خصّصت لمن يعانون إعاقات مختلفة، لاحظ المُعلّم الحارثي تقدّم الذكاء لدى الأخوين السعدي، خصوصاً في الرياضيات. "لم يكن غريباً أنهما لفتا نظري، إذ كانا متفوقان بأشواط كثيرة عن أقرانهما في "مدرسة عبد الله بن زيد للتعليم الأساسي للصم والبكم"... ولديهما القدرة على التركيز على موضوع بعينه لساعات عدّة". بتلك الكلمات وصف الحارثي بداية علاقته بتلميذيه اللذين أعطاهما اهتماماً كبيراً، خصوصاً في الرياضيات والفيزياء والعلوم، بل حرص على مشاركتهما في مسابقات الروبوت والكومبيوتر في عُمان. وفي تلك المسابقات، تألّق الأخوان السعدي، فلفتا أنظار التربويّين في سلطنة عُمان. وكذلك شاركا في مسابقة "دوري فيرست في الليغو" في عُمان، فتصدراها على مدار السنوات الثلاثة المتوالية المنصرمة التي انعقدت فيها تلك المسابقة في عُمان.

وفي لقاءات مع الاعلام الأميركي، أوضحا أن علي يتقن المهارات اليدويّة اللازمة في تركيب قطع الليغو لتصبح روبوت متكامل، فيما يهتم حمّود بأمر برمجة الروبوت وإعطائه الذكاء اللازم لإنجاز الأعمال المطلوبة في المسابقة. وبفضل التنسيق بينهما، حلّ العُمانيان في المرتبة الـ39 في المسابقة.

وفي سياق مماثل، أشار السوري الخطيب (17 سنة) إلى أن العلوم في بلاده في حال تأخر، خصوصاً مع هجر 300 ألف تلميذ مدارسهم بأثر الأزمة الراهنة فيها. وأوضح الخطيب الذي يتابع دراسته في إحدى المدارس اللبنانيّة، أنّه يأمل في استخدام علوم الروبوت في وضع تصاميم هندسيّة للمباني، وبالتالي المساهمة مستقبلاً في إعادة بناء بلاده التي مزّقتها الحرب.     
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها