الخميس 2017/07/20

آخر تحديث: 18:28 (بيروت)

الوراق: قطعة ماس مغطاة بالدم

الخميس 2017/07/20
الوراق: قطعة ماس مغطاة بالدم
ليست المرة الأولى التي تثار فيه أزمة جزيرة الوراق
increase حجم الخط decrease
ليست هذه المرة الأولى التي تثار فيه أزمة جزيرة الوراق المصرية في الإعلام المصري، بل هي قضية متكررة منذ أيام الرئيس السابق حسني مبارك، وفي كل مرة تطفو على السطح طموحات استثمارية لاستغلال الجزيرة الأكبر مساحة في النيل، والمعروفة بلقب "قطعة الماس المغطاة بالتراب"، مترافقة مع شرط دائم للاستثمار العقاري والسياحي هناك، وهو إخلاء الجزيرة من سكانها المنتمين إلى الطبقة الأكثر فقراً في مصر.


ولا جديد يُقال كل مرة، ولا حلول عملية تفرض نفسها، مع إصرار الدولة على عدم محاولة التفكير فيما هو أبعد من القمع والإخلاء الجبري، لكن عودة هذه القضية في التوقيت الحالي مع استخدام الأجهزة الأمنية للعنف كخيار أول ووحيد يعطيها أهميتها الراهنة.

والحال أن فرقة من وزارة الداخلية اتجهت إلى جزيرة الوراق منذ أربعة أيام لإزالة مبانٍ مخالفة، رغم أن الغالبية العظمى من مباني الوراق في الواقع مخالفة، ما أدى لاشتباكات بين ساكني هذه المباني والداخلية، أسفرت عن إصابة العشرات ومقتل شخص واحد. لتتصاعد المسألة بشكل دراماتيكي وتصبح في صدارة الحدث الإعلامي اليومي.

في ضوء ذلك، أصدرت الداخلية بياناً رسمياً يبرئ ساحتها من الاشتباكات كما هو متوقع، لكن اللافت في البيان، ورغم وقوع ضحايا، أن الداخلية بدأت بذكر الإصابات في صفوفها، قبل أن تتطرق لمن قتل وأصيب من المدنيين. هذا الاستعلاء اللغوي غير المباشر ليس جديداً ضمن سياسة الدولة في استخدام العنف المفرط حتى النهاية في سبيل تحقيق أغراضها.

المشهد في الوراق حمل الدولة على التراجع قليلاً، إذ أن هبة جميع سكانها، وتجنيد أئمة المساجد مكبرات الصوت لإثارة الناس ضد "المعتدين"، والهتاف الهادر ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل واضح، جعلها تمزج بين العنف والتهدئة، وهو بالتحديد ما سار عليه الإعلام.

الإعلامية أماني الخياط عبر برنامجها "بين السطور" على قناة "أون إي"، قالت أن الشرطة ليست إلا أداة لتنفيذ القانون، وإن كانت ثمة خصومة فهي بين الأهالي والوزارات المختصة التي قضت بالإزالة. ثم أخذت القضية برمتها إلى تفسيرها المفضل بأن ما حدث هو تهويل للأحداث وراءه جماعة "الإخوان المسلمين".


التفسير السابق، اعتمده أيضاً الإعلامي أحمد موسى، رغم أنه افتتح حديثه بتهديد أهالي الوراق بالتصفية في حال وقفوا في وجه الداخلية أو الجيش، وأنه "لا يقوم بذلك إلا خائن متآمر مع جماعة الإخوان"، إلا أن موسى وجّه بعض لومه إلى الوزارات التي تقاعست عن تنفيذ واجبها في إكمال الإجراءات القانونية، قبل أن يلقي بثقل التنفيذ كاملاً على الشرطة.

ويحاول موسى هنا أن يجعل من طرفي الاشتباك ضحية التقاعس الحكومي الرسمي، قبل أن يتحدث باستهانة عن البيوت المهددة بالإزالة باعتبارها لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من مساحة الجزيرة. فيما قال الإعلامي الآخر سعيد حساسين على قناته "العاصمة" عبر برنامج "انفراد"، أن على الحكومة المسارعة إلى حل المسألة العالقة لأنها لا تستحق أن تكون في صدارة الحدث.


من جهته، كان الإعلامي يوسف الحسيني وحده من حمّل الدولة المسؤولية كاملة عما يحدث في جزيرة الوراق، وتساءل أين كانت الدولة طوال الستين عاماً الماضية؟ مضيفاً أن على الدولة أن تكون أكثر حكمة في إدارة الأزمة بتعويض المتضررين مادياً أو بتقديم سكن بديل للأهالي القاطنين في البيوت المزمع إزالتها.

أما الإعلامي عمرو أديب فتعرض إلى المسألة في يومين متتاليين، فساوى في الأول بين الطرفين المتنازعين، وقال أن على كل منهما تقديم الأوراق القانونية التي تثبت موقفه، وأن يلجأ المتضرر للقانون. لكنه في اليوم التالي سارع إلى الهجوم على قناة "بي بي سي" العربية، وقال إنها تتبنى خطاب "الجزيرة"، وأضاف أن "بي بي سي ادعت أن شركة إماراتية تخطط لشراء جزيرة الوراق"، لكن وبقراءة الخبر في مصدره الأصلي يتبين أن نسخة أديب منه كاذبة.

والحال أن "بي بي سي" لم تدّع ولا حتى في العنوان، أن ثمة شركة تريد شراء الجزيرة، بل كان مفاد خبرها أن شركة هندسية في دبي أنهت تصميم مشروع إعادة إعمار جزيرة الوراق، ولم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى بيع الجزيرة، بل إن المصدر داخل الشرطة رفض ذكر الجهة التي نفذ لأجلها التصميم.

صوت التعقل المفتعل في الإعلام المصري والتهديد المستتر أو الواضح بين الفينة والأخرى، يقول الكثير عن دولة قلقة من تحرك أهالي الجزيرة لحماية مصالحهم. والمحزن في كل ذلك أن المقتول كان خارج الحسابات تماماً، ولا حتى مواقع التواصل الاجتماعي التي لم تهتم بالضحايا الذين سقطوا بقدر اهتمامها بالخصومة الجديدة مع النظام. فقطعة الماس وسط النيل، التي كانت مغطاة بالتراب، باتت الآن مغطاة بالدم والأنفاس الغاضبة، ويحاول الإعلام امتصاص كل ذلك بلعبة المؤامرة وتهوين ما يحدث.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها