الجمعة 2017/07/14

آخر تحديث: 15:57 (بيروت)

البحث عن ملك جمال المثليين السوريين.. في برلين واسطنبول

الجمعة 2017/07/14
البحث عن ملك جمال المثليين السوريين.. في برلين واسطنبول
من مسيرة الفخر المثلية في اسطنبول التي يتخذها الفيلم منطلقاً له (غيتي)
increase حجم الخط decrease
يتتبع الفيلم الوثائقي الجديد "ملك جمال المثليين السوريين" (Mr. Gay Syria) حياة اثنين من اللاجئين السوريين مثليي الجنس في محاولتهما إعادة بناء حياتهما بعدما أجبرا على مغادرة بلدهما، قبل أن يجمعهما حلم مجنون بالانضمام إلى مسابقة "ملك جمال المثليين" في العالم، هرباً من الحصار المطبق المحيط بهما وكنوع مبتكر من البوح الصريح عن هويتهما الجنسية التي لا يريدان إخفاءها بعد اليوم.


الفيلم الذي عرض في عدد من الدول الأوروبية والمهرجانات مؤخراً، يركز على قصة اللاجئين محمود حسينو، الناشط الحقوقي والصحافي المعروف المقيم في برلين ومؤسس حركة للدفاع عن حقوق المثليين السوريين، وحسين (24 عاماً)، الحلاق المقيم في اسطنبول الذي يعيش حياة مزدوجة بين مثليته السرية وعائلته المحافظة وزوجته الحامل التي أجبر على الزواج بها، وكأن الفيلم يقول أنه رغم المسافات التي تفصل بين المثليين السوريين والحياة المختلفة التي قد يعيشها أي مثلي سوري، إلا أن المشاكل التي يعانيها الجميع متشابهة وتعود إلى أصول اجتماعية محافظة ودينية متشددة، واحدة، فضلاً عن رصد جوانب لا يتطرق إليها الإعلام كثيراً في أزمة اللجوء المدمرة الأخيرة.

وفي حديث مع "المدن" تقول مخرجة الفيلم التركية، عائشة توبراك، أن هذا الفيلم يتماشى مع خطها العام للكفاح من أجل عالم أفضل، مضيفة: "أشعر بأن بناء مجتمعات ديموقراطية حقيقية لا يعتمد فقط على الدفاع عن حقوقنا الخاصة فقط، بل القتال من أجل حقوق الآخرين. أنا مدركة تماماً أن هذا الفيلم يتحدث عن إشكالية محددة جداً ضمن سياق مأساة إنسانية أكبر بكثير، لكنّ حقوق الإنسان لا يمكن أن تكون مجزأة بالنسبة لي، وهذا بالتحديد ما يجعل هذه القصة قوية ومثيرة للاهتمام".

والتقت توبراك مع حسينو العام 2014 وعملا معاً في صناعة أفلام وثائقية، ولم يخف عنها هويته الجنسية منذ اللقاء الأول الذي أسس لصداقة عميقة بينهما، قبل أن يستقر في برلين ويصبح التواصل بينهما متباعداً عبر رسائل إلكترونية قليلة، كما تعرفت توبراك من خلاله على حسين وصديقه الآخر عمر، وأعجبت بطيبتهما وكيفية مواجهتهما مصاعبهما الوجودية بالسخرية والضحك وتعلمت منهم جميعاً معنى الاستمرار في الحياة مهما كانت الظروف التي تواجه الإنسان صعبة ومعقدة، علماً أن 15 شخصية أخرى تظهر في الفيلم من حين إلى آخر.

في ضوء ذلك، يلعب حسينو دوراً مهماً في صناعة الفيلم، فهو ناشط حقوقي معروف ومؤسس "موالح"، أول مجلة سورية متخصصة في قضايا المثليين، وكصوت مدافع عن قضايا المثليين السوريين منذ وقت طويل، كان يدرك تماماً أنه بحاجة لقضية إنسانية مختلفة وبراقة كي يثير اهتمام الإعلام العالمي نحو القضية وسط الأزمة الإنسانية المروعة في البلاد والتي أدت لأزمة لجوء عالمية. ومن هنا أتت فكرة البحث عن ملك جمال سوريا من أجل الاشتراك في مسابقة "ملك جمال المثليين" في العالم، والتي لم يشارك فيها أي مثلي عربي من قبل على الإطلاق.

وتوبراك هي مخرجة تركية مقيمة في اسطنبول، وحصلت على شهادتي البكالوريوس والماجستير من كلية "تيش" للفنون في جامعة نيويورك. وعملت لصالح القناة "13" في نيويورك، وساهمت في عدد من إنتاجات قناة "الجزيرة" الانجليزية في لندن والدوحة واسطنبول، فضلاً عن عدد من المشاريع الذاتية. وتقول أنها مهتمة بكيفية تأثير الأفلام الوثائقية، بشخصياتها الملونة ومواضيعها الجدلية، في المجتمعات، وتحديداً القضايا المهملة التي يجب أن تحظى بجدل عام حولها.


"طوال الفترة التي كنت أعمل فيها على الفيلم كان هدفي جعل جمهوري يصبح صديقاً للشخصيات مثلما فعلت أنا"، تقول توبراك حول أهدافها من صناعة فيلم مبتكر وجدلي بهذه الطريقة، مضيفة أنها أرادت أن تصل بقدراتها الفنية إلى أقصاها كي توصل تلك الحميمية من عالم الشخصيات إلى الجمهور، على أمل أن تصبح رحلة الأبطال الأقرب لقصة "كوميكس" تراجيدية، علامة فارقة في خضم صراعهم مع واقع مختلف ضمن أزمة اللجوء الأوسع.

ويخطط فريق الفيلم إلى خلق أكبر قدر ممكن من التأثير حول حقوق المثليين واللاجئين في المنطقة، وتجمع صفحة "فايسبوك" الخاصة بالمشروع حوالى 8000 متابع، ويأمل أصحابها في انضمام المزيد إليها من أجل مشاركة أوسع نطاقاً وأكثر فعالية في هذا النقاش العام: "من المهم أن نبني حولنا مجتمعاً من الناس الذين يؤمنون بالأفكار والقيم نفسها التي لدينا وبأحلام شخصيات الفيلم كذلك".

في السياق، تأمل توبراك أن يلقي الفيلم نظرة قريبة على حياة اللاجئين وأن يظهر الجانب الإنساني فيهم: "أعتقد أنه في هذه الأوقات العنيفة التي نعيشها حالياً، من المهم جداً تقديم هذه القصص الإنسانية التي يمكن للناس التعاطف معها"، معتبرة أن التعاطف كقيمة هو أفضل أداة لتغيير التحيزات والأحكام المسبقة في المجتمعات ولتمكين وجهات النظر المختلفة أو حتى لخلق إشارات استفهام أمام الناس تجاه الآخر المختلف.

وتم إنجاز الفيلم بإنتاج شركات تركية عديدة، من دون أي دعم من مؤسسات حقوقية أو منظمات داعمة للمثليين أو حكومات، مثل بقية المشاريع المشابهة، ما يجعل الفيلم أكثر مصداقية بتقديمه رؤية بعيدة عن أي توجه سياسي أو فكري مسبق قد تفرضه تلك الجهات في حال وجودها.

ويجب القول أنه رغم تنوع الموضوعات والقضايا التي أثارتها الثورة السورية والدعوات إلى الحرية في البلاد، إلا أن حقوق المثليين ومجموعة من المواضيع الأخرى ظلت ضمن المحظورات إلى حد ما. ما يجعل مفاهيم الثورة السورية، بغض النظر عن نجاحها أو فشلها سياسياً، ناقصة في هذا الجانب إلى درجة تجعلها حركة مبنية على القيم المحافظة للمجتمع التقليدي، وخصوصاً بعد تحولها نحو الأسلمة والعسكرة، ثم ظهور التنظيمات التكفيرية التي تعدم المثليين رجماً بالحجارة أو بإلقائهم من أماكن عالية على غرار ما كان يفعل تنظيم "داعش" على سبيل المثال.

لا تعلق توبراك كثيراً على موضوع الثورة السورية لعدم خبرتها الكافية في الموضوع، لكنها ترى أن اللاجئين المثليين كانوا منبوذين في وطنهم ونالوا المعاملة الرافضة لهم نفسها من قبل المجتمع التركي وضمن المجتمعات المحلية الناشئة في بلاد اللجوء على حد سواء، وهم يواجهون مشاكل في تأمين السكن والعمل، ليس لأنهم لاجئون فقط بل لأنهم مثليون أيضاً.

وتضيف توبراك أن اللاجئين المثليين يعيشون في شقق مشتركة ويعملون في حمامات عامة للمثليين ويقومون بمناوبات عمل في الفنادق قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى بيع المخدرات أو إلى أن يصبحوا عاملين في مجال الجنس والدعارة المثلية، وكل تلك الأعمال تهدد حياة من يمارسها. مضيفة أن فريق الفيلم شارك، وما زال، لحظات كثيرة من تلك الحياة الصعبة "وما زلنا لا نستطيع أن نفعل المزيد لدعمهم، وتلك هي الصعوبة الأساسية التي نواجهها".

increase حجم الخط decrease