الجمعة 2017/06/09

آخر تحديث: 18:39 (بيروت)

لا إعدام ولا دولة بوليسية.. والقتل مستمر

الجمعة 2017/06/09
لا إعدام ولا دولة بوليسية.. والقتل مستمر
من الصور "المطلبية" المتداولة لبنانياً في مواقع التواصل الاجتماعي
increase حجم الخط decrease
الغضب الذي ساد مواقع التواصل الاجتماعي، إثر مقتل الشاب روي حاموش، لا يجترح حلولاً لإنهاء اسباب القتل العبثي المتفشي في البلاد، منذ أربع سنوات على أقل تقدير. قارب بعضهم المسألة بخطوات عملية، بقيت ضئيلة، وغير منظمة، لكنها أكثر فعالية من الضخ الرثائي الذي اجتاح الفضاء الإلكتروني، وشارك فيه السياسيون على سبيل إطلاق المواقف.


الحراك الجدي والفاعل، انقسم بين وجهتي نظر تمثلان حلاً لأزمة القتل المتواصل، لكنهما اصطدما بتصورين: الأول انفعالي، يتمثل في تفعيل تنفيذ أحكام الإعدام، بينما الثاني تمثل في ضبط السلاح المتفلت والمنتشر في الأراضي اللبنانية كافة. اصطدم المقترحان من زاوية حقوقية ومبدئية، على قاعدة أن تفعيل أحكام الإعدام يعتبر خرقاً للمسار الذي توصل إليه لبنان، منذ نحو 14 عاماً، فألغى تطبيق العقوبة أسوة بالدول المتقدمة. وعوضاً عن المطالبة بذلك، يجب اجتراح الحل الأنسب، وهو ضبط السلاح المتفلت وتشددي العقوبة على حامله.

صحيح أن جميع المسارات الآيلة لتقويض ظاهرة القتل العبثي، يمكن أن تكون محل انتقاد، بالنظر إلى أن تنفيذ أحكام الإعدام سيثير المدافعين عن حقوق الانسان ويعيد النقاش إلى سؤال "من يحق له إنهاء حياة، أياً كان جُرمها؟" كما أن تشديد الملاحقة الأمنية لحاملي السلاح، يمكن أن يشرّع مفهوم الدولة البوليسية التي كانت قائمة في فترة حكم الرئيس فؤاد شهاب في الستينيات. لكن الانتقادات في هذا الموقع، يجب أن تؤجل، طالما أن الموت اليومي في الشوارع، هو الأكثر سلطة، بلا رادع حيوي. ومن هنا، يبدو النقاش الحقوقي في مواقع التواصل، سابقاً لأوانه، على قاعدة أن تهديد حياة اللبنانيين اليومي، يجب أن يعالج بكل جدية.

قد يكون تفعيل حكم الإعدام رادعاً للقتل المتواصل. هذا الأمر صحيح، طالما أن المحكومين بتهم القتل، ينفذون، أو يستمتعون بيومياتهم في سجون غير مؤهلة لإعداد المجرمين وتغيير سلوكياتهم، ودفعهم للندم على ما اقترفوه.. لكن الأكثر فعالية في هذا الوقت، هو ضبط السلاح المتفلت عبر مسارات متعددة، تبدأ من تشديد العقوبة على حاملي السلاح، وإنهاء ظاهرة السلاح المشرع باسم رخص حمله.

لا يمكن صرف النظر عن أن آلاف رخص السلاح يحملها لبنانيون، بلا أي مبرر. معظم هؤلاء لم يتلقَ تدريباً على كيفية حمله واستخدامه. وأكثر من ذلك، فإن إدانة السلاح المتفلت، وإن كانت ضرورية، تبقى غير كافية، إذ لا بد من إجراءات حازمة وفاعلة لمعاقبة حامليها، ردعاً لرفعها في وجه الأبرياء.

سيكون ذلك، هو المسار الأساس في مكافحة الموت العبثي اليومي. أضاء قليلون في النقاشات على هذه الضرورة، بما يمثل خرقاً لنقاشات جَلد الذات والدولة المتراخية. على أن المسار الأهم الذي يستكمله، هو منع النافذين من التدخل لإنقاذ "المدعومين" من العقوبة، ذلك أن الحوادث اليومية المتمثلة في استخدام السلاح وإطلاق النار، تتخطى بأضعاف حوادث القتل. وكلها مشاريع قتل، لا يُعاقب المتورطون فيها بشكل مشدد، بسبب "المعارف" والمحسوبيات.

قد تكون نقاشات السوشيال ميديا في هذا الجانب، عديمة الفائدة من الناحية العملية، لكنها تعبّر عن أزمة حقيقية، تستدعي إجراءات جدية ومشددة تثبت أن الدولة ما زالت موجودة.

يسرد الكاتب توفيق يوسف عواد، في إحدى قصصه، حكاية وجيه في القرية ضرب الموكل بملء جرار الماء، لحظة تعيينه في موقعه. وحين احتج سكان القرية، بوصف الموظف بريئاً لم يرتكب بعد أي خطأ، قال: "ضربته قبل أن يكسر الجرة، كي يتذكر ألمه كلما حمل جرة. لن تنفع العقوبة بعد كسرها".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها