الثلاثاء 2017/06/06

آخر تحديث: 16:22 (بيروت)

الإعلام الغربي إن انتبه إلى الأزمة الخليجية..

الثلاثاء 2017/06/06
الإعلام الغربي إن انتبه إلى الأزمة الخليجية..
الأزمة الخليجية إشارة إلى سطحية إنجازات ترامب في جولته الخارجية إلى الشرق الأوسط
increase حجم الخط decrease
طوال أسبوعين من الأزمة الخليجية التي انطلقت بشكل مفاجئ في 24 أيار/مايو الماضي، كانت الصحف العالمية، باستثناء "بلومبيرغ"، غائبة بشكل شبه كامل عن التغطيات الإخبارية وتقديم التحليلات المعمقة حول حوادث لم تكن تتعدى، حتى أمس الاثنين، حيز التصريحات وحجب المواقع الإلكترونية الإعلامية، وهي رغم حدتها كونها تجري بين دول "حليفة" إلا أنها تبقى مجرد خطوات "رمزية" ومنتشرة بشدة في الشرق الأوسط ولا تعتبر شيئاً غير مألوف يستحق التوقف عنده كفعل بحد ذاته، فضلاً عن انشغال الإعلام العالمي، في الولايات المتحدة وبريطانيا تحديداً بمشاكل داخلية وخارجية شديدة الالتصاق بسياسات البلدين، مثل الانتخابات البريطانية المبكرة بعد يومين، أو علاقة البيت الأبيض المهزوزة مع ألمانيا ودول حلف شمال الأطلسي إثر جولة ترامب الأوروبية.


كل ذلك تغير مع التصعيد الذي قامت به دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن وليبيا، بإعلان قطعها العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وفرض حظر جوي وبري وبحري عليها، وبدا واضحاً في كمية التحليلات المعمقة والتقارير الحصرية الكثيرة التي قدمتها الصحف الكبرى وتخصيص افتتاحيات لتناول القضية (تايمز، فايننشال تايمز)، أن عين تلك الصحف كانت مركزة على المنطقة طوال الفترة الماضية، ولو بدا العكس، وكأنها كانت تستعد للأسوأ الذي يستحق التوقف عنده، بهذا المستوى من التركيز، كقضية "غربية" تتعلق بالأمن القومي للدول الغربية ولعلاقاتها الاقتصادية والنفطية والاستثمارات الضخمة، للدول الخليجية بما فيها قطر في أوروبا والولايات المتحدة.

فبموازاة الهدوء الذي عكسته التصريحات الرسمية الأميركية التي قدمها وزيرا الخارجية ريكس تيلرسون، والدفاع جيم ماتيس من أستراليا (نيويورك تايمز، فورين بوليسي، USA Today،..) والتي أكدا فيها أن الأزمة الخليجية لن تؤثر في مصالح الولايات المتحدة في الخليج ولا في الجهود العسكرية لمكافحة التطرف أو التحالف ضد "داعش"، كان الإعلام يقدم نوعاً من المصطلحات التي تظهر مدى تأثير الأزمة على الولايات المتحدة بوصفها صداعاً بالنسبة لوزارة الدفاع "بنتاغون" في التوقيت الحالي، حيث تعتبر قطر وجيرانها عاملاً أساسياً في التأثير العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، إذ تستضيف قطر قاعدة "العديد" المركزية، كما تستضيف البحرين الأسطول الأميركي الخامس (فورين بوليسي).

ووصل الأمر بالإعلام إلى توجيه دعوات مباشرة للولايات المتحدة كي تتدخل لإنهاء الأزمة بسرعة (فورين بوليسي، USA Today، واشنطن بوست،..) لأن هذا العداء الخليجي الحالي يهدد استقرار الشرق الأوسط الذي يعاني أصلاً من ثلاثة حروب أهلية وانتشار حركات تمرد جهادية على جبهات عديدة فيه، فضلاً عن أنه يشكل تعقيداً للجهود الأميركية الرامية إلى حشد القادة العرب والمسلمين لتشكيل جبهة موحدة ضد "المتطرفين السنة والنفوذ الإيراني الشيعي" على حد سواء، والذي أسست له زيارة الرئيس دونالد ترامب للرياض، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التي يسببها (بلومبيرغ، تايمز، نيويورك تايمز، فايننشال تايمز،..).

إلى ذلك، قد يكون مبكراً القول أن أزمة قطر ستتحول إلى أزمة أميركية، لكنها تعطي إشارة إلى سطحية إنجازات الرئيس ترامب التي قام بها في زيارته الخارجية إلى الشرق الأوسط. وما يجعل الأزمة الحالية قابلة للتطور هم اللاعبون الإقليميون، مثل تركيا وروسيا وإيران، الذين سيحاولون من دون شك خلق ديناميات جديدة لصالحهم. وهو دور يجب أن تقوم به واشنطن عطفاً على صداقتها مع الدوحة، التي تعتبر في الوقت الحالي أعمق من صداقتها الاستراتيجية مع السعودية، لكون قطر تستضيف قاعدة "العديد" التي يتواجد فيها أكثر من 10 آلاف جندي أميركي، فضلاً عن عوامل اجتماعية لا تتواجد في السعودية "المنغلقة"، مثل انفتاح البلاد على الغرب إلى درجة أنها ستستضيف كأس العالم العام 2022 (USA Today)، كما أن تجاهل واشنطن للدوحة بشكل تام قد يرمي بها في أحضان طهران وهو السيناريو الذي لن يستفيد منه أحد (فورين بوليسي).

أكثر التحذيرات درامية في هذا الإطار، أتت من "فورين بوليسي" التي حذرت من أن عدم تدخل واشنطن لنزع فتيل الأزمة، قد يحولها إلى لحظة تاريخية مفصلية للبشرية، إن أقدمت السعودية والإمارات على عمل عسكري متهور ضد الدوحة، وقارنت بين ذلك السيناريو مع اللحظة التاريخية التي أدت لإشعال الحرب العالمية الأولى العام 1914 عندما اغتيل الوريث المفترض للإمبراطوية النمساوية في مدينة سراييفو.

وكان واضحاً ان الصحف العالمية لا تصدق الرواية السعودية - الإماراتية التي ارتكزت عليها الدولتان في صياغة تبرير القطيعة الدبلوماسية مع قطر، بما في ذلك الاتهامات المفاجئة للدوحة بدعم الجماعات المسلحة بما في ذلك "داعش" و"القاعدة"، أو دعم قطر لجماعة "الأخوان المسلمين" التي تعتبرها مصر منظمة إرهابية، أو الانتقادات المتكررة التي تقدمها شبكة "الجزيرة" الإخبارية للسلطات السعودية والمصرية (فورين بوليسي، نيويورك تايمز) أو "الاتهامات الجديدة غير القابلة للتصديق والبعيدة عن المنطق" كاتهام السعودية قطر بدعم المتمردين الحوثيين في اليمن على الرغم من أن قطر تشارك في التحالف السعودي ضد الحوثيين المرتبطين بإيران منذ سنوات، إضافة إلى اتهامات البحرين لقطر بأنها تمول الجماعات المرتبطة بإيران لنشر الفوضى في البحرين (واشنطن بوست)، حتى أن مجلة "فورين بوليسي" أطلقت على تلك الأسباب صفة "الأسباب الظاهرية" من دون أن تقدم، في واحد من تقريرين موسعين لها الثلاثاء، تفسيراً بديلاً، رغم أنها تساءلت في العنوان عن ذلك السبب الخفي أو اللغز وراء التصعيد المفاجئ.

والحال أن التساؤل حول أسباب قطع العلاقات مع قطر كان شديد الرواج ضمن العناوين الصحافية للتغطيات نفسها، مع إجماع الصحف في المجمل على أن الأزمة تراكمية ونتيجة لمشاكل سابقة بين دول الخليج (تايمز، واشنطن بوست، فورين بوليسي..). وما عجزت "فورين بوليسي" عن تفسيره، تصدت له صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية التي قدمت في صفحتها الأولى تقريراً حصرياً لمراسلها من الدوحة سيمون كير، قدم نظرية مختلفة تماماً، اقتبستها لاحقاً صحيفة "نيويورك تايمز" بشكل مقتضب وهي تقدم كافة السرديات التي تحاول تفسير الأزمة الخليجية.

وتقول النظرية أن سبب الخلاف مع قطر هو "صفقة المليار دولار" حسب توصيف "فايننشال تايمز"، وهي فدية بقيمة مليار دولار دفعتها قطر في شهر نيسان/أبريل الماضي لتحرير 26 قطرياً بينهم أعضاء من العائلة الحاكمة، كانوا في رحلة لصيد الصقور واختطفوا في العراق، وترتكز النظرية في بنائها إلى شهادات ولقاءات موسعة مع "كافة الأشخاص المرتبطين بالقضية كمسؤولين حكوميين قطريين وثلاثة قياديين لميليشيات شيعية عراقية وشخصيات قيادية في المعارضة السورية، ودبلوماسيين غربيين.

في السياق، يوضح التقرير أن القضية بدأت مع قيام ميليشيا "كتائب حزب الله في العراق" باختطاف الرهائن القطريين في شهر كانون الأول/ديسمبر العام 2015، وتم نقلهم إلى إيران، وكان الحافز لكل ذلك هو الرغبة الإيرانية في الضغط على قطر، من أجل إجبارها على التفاوض مع "حزب الله" وإيران، من أجل إطلاق سراح مقاتلين شيعة محتجزين لدى جماعة "فتح الشام" السنية المتشددة في سوريا، التي كانت تعرف سابقاً باسم "جبهة النصرة" وتمثل فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا. وشملت تلك الصفقة اتفاقاً منفصلاً عرف باسم "اتفاق المدن الأربع" الذي فك الحصار بموجبه عن بلدات كفريا والفوعة في إدلب والزبداني ومضايا في ريف دمشق، في نوع من التغيير الديموغرافي الذي أثار استياء واضحاً في الأوساط السورية المعارضة.

وبما أن للخطايا القديمة ظلالاً طويلة كما يقول المثل الانجليزي، قد تعود جذور الأزمة الحالية للعام 1995 الذي شهد وصول الأمير حمد، والد الأمير تميم، للسلطة في البلاد، ما اعتبرته السعودية والإمارات حينها خطراً على الأسر الحاكمة في الخليج ككل بوصفه انقلاباً على التقاليد الخليجية، ليبدأ من حينها التآمر السعودي - الإماراتي ضد حمد ومن ثم تميم (فورين بوليسي). وبحسب مسؤولين دبلوماسيين مقيمين في الدوحة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، فإن السعودية والإمارات دفعتا في ذلك التاريخ مئات من رجال القبائل في قطر لقتل حمد واثنين من أخوته بالإضافة إلى وزيري الخارجية والطاقة من أجل إعادة الأمير السابق للحكم. كما وضعت الإمارات طائرات مروحية هجومية وطائرات حربية مقاتلة في حالة تأهب لتنفيذ تلك المهمة في حال لم يقم بها رجال القبائل. 

والحال أن التصعيد الإعلامي والضغط من "اللوبيات" في واشنطن بدأ منذ أكثر من شهر ضد قطر (واشنطن بوست)، عبر مجموعة من المراكز البحثية ومجموعات التفكير في العاصمة واشنطن، والتي يميل بعضها للإمارات أو تتلقى تمويلاً إماراتياً، مثل مجموعة "الدفاع عن الديموقراطيات" التي عقدت في يوم واحد مثلاً اجتماعات مكثفة شارك فيها باحثون من أجل انتقاد قطر، بما فيهم وزير الدفاع الأسبق روبرت غيتس الذي وصف قطر بأنها شريك استراتيجي للولايات المتحدة بموازاة تعبيره عن قلق واضح من دعم الدوحة للمجموعات التي تعتبرها واشنطن إرهابية، وهو نوع من الأنباء الذي كانت الصحف الأميركية في الفترة الماضية تتجاهله عموماً، وتعتبره نوعاً من البروباغندا الأجنبية في محاولات تأثيرها على السياسات الأميركية لا غير.

من جهة أخرى، لا يمكن إهمال الرواية الرسمية القطرية للحادثة، والتي تقوم على قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية الرسمية، وبالتالي قد يكون التصعيد السعودي – الإماراتي لعزل قطر في هذه اللحظة، مرتبطاً بالإصدار المرتقب لتقرير من مكتب التحقيق الفيديرالي "إف بي آي" بشأن عمليات القرصنة ضد قطر، حيث دعت الحكومة القطرية المكتب للمساعدة فى التحقيق فى الحادث في وقت سابق (واشنطن بوست)، وتريد الدولتان هنا التشويش على نتائج التحقيق الذي سيؤكد القرصنة على الأغلب وسينسف الرواية السعودية – الإماراتية، في حال ثبت أن إيران هي اليد الخفية وراء عملية القرصنة.

وهنا قد تكون قرصنة وكالة الأنباء القطرية مدبرة أصلاً من قبل طهران التي انزعجت من الموقف المناهض لها في قمة الرياض، ومدفوعة برغبة عميقة في إظهار خطأ ترامب في الرهان على "التحالف السني" وإظهار الانقسام الخليجي أمامه بوضوح، ومن الحوادث التي تدعم هذا التفسير هي قرصنة إيران لحساب وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد من أحمد آل خليفة في "تويتر" لعدة ساعات في 3 حزيران/يونيو الماضي، والذي لم تتهم المنامة فيه إيران مباشرة بل حملت مسؤولية الحادثة لناشطين شيعيين (فورين بوليسي)، وبالتالي فإن القرصنة الإيرانية ليست حالة فردية بل نمطاً مستمراً، ما يجعل القرصنة ضد قطر جزءاً من سياق ذي معنى.

في السياق، تقاسمت الصحف خاصية أخرى هي تفنيد الروايات السعودية – الإماراتية، وتحديداً موضوع العلاقات القطرية – الإيرانية التي تأخذ شكل قناة مفتوحة للحوار مع إيران، كواحد من الخلافات القديمة بين قطر وجيرانها، والمبرر عموماً بالجغرافيا حيث تتقاسم قطر مع إيران مجالاً نفطياً واسعاً بل أن أكبر حقل للغاز لدى قطر هو حقل الشاعر البحري المشترك مع طهران، علماً أن قطر هي أكبر مصدر للغاز وتمتلك ثاني أكبر احتياطي له في العالم (فورين بوليسي، واشنطن بوست، USA Today).

يترافق ذلك بالرد على اتهام قطر بدعم الإرهاب بالحديث عن الوهابية السعودية التي تعتبر مصدراً فكرياً للتطرف الإسلامي في عدد من الدول، من بينها بريطانيا التي تجددت فيها الاتهامات للسعودية بدعم الإرهاب على خلفية الهجوم الإرهابي في لندن يوم السبت الماضي، والذي أثار دعوات من طرف حزبي "العمال" و"الليبرالي الديموقراطي" من أجل أن تنشر الحكومة تقريراً حكومياً حساساً تتحفظ على نشره، ويعتقد أنه يركز على الدور الذي يلعبه السعوديون في تمويل الجماعات الإرهابية ونشر البروباغندا (فورين بوليسي)، وتجلى ذلك بشكل مباشر في افتتاحية صحيفة "تايمز" العريقة التي قالت: " أن الجماعات الجهادية تدين بالكثير لمتبرعين سعوديين وللأيديولوجيا الدينية الوهابية المهيمنة في السعودية أكثر من دينها لأي بلد آخر"، في معرض مفاضلتها بين قطر والسعودية بهذا الخصوص.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها