الأحد 2017/06/18

آخر تحديث: 15:35 (بيروت)

"لا تطفئ الشمس"..النجاح رغم انتقادات السلطة الفارغة

الأحد 2017/06/18
"لا تطفئ الشمس"..النجاح رغم انتقادات السلطة الفارغة
الجدل الذي أثارته اللقطة لا علاقة له بجودة المسلسل أو سياقه
increase حجم الخط decrease

ثمة أهوال يتفاعل معها الجميع بأقل من هولها، وثمة أيضاً أزمات تخرج من اللاشيء. يحدث ذلك كل يوم في مصر، لأنه ليس هنالك أي ميزان منطقي لما يحدث، سواء بتهوينه أو تهويله، وهذا بالضبط ما لاقاه مسلسل "لا تطفئ الشمس". حين وجد صناع العمل أنفسهم أمام ورطة خرجت بالفعل من اللاشيء. من نكتة تحولت مع الدولة المجنونة إلى حدث شغل الناس لعدة أيام.

ففي لقطة عابرة في مشهد عابر خلال المسلسل، ظهرت عبارة "سيسي خاين" في كادر يجمع بين اثنين من أبطال المسلسل، وهي العبارة الموجودة في كل شوارع القاهرة منذ سنوات. كانت يمكن للقطة أن تمر من دون أن ينتبه أحد لولا أن أحد المتابعين التقط "شيئاً عابراً وحوله إلى حكاية على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن حظ المسلسل العاثر لا تكمن هنا تحديداً، بل في أن واحداً من أبطال المشهد هو الممثل الشاب أحمد مالك، بطل واقعة "الواقيات الذكرية" في ذكرى الثورة قبل الماضية، ومن هذه النقطة فقط تم تحميل اللقطة أكثر مما تحتمل.

التغطية الرسمية في الصحف المصرية، صورت القصة وكأن هناك "غضباً شعبياً" إزاء اللقطة، ما فتح شهية البرامج الحوارية كي تتحدث عن هذا اللاشيء وتطوره كموضوع حيوي في مصر، وتحولت الحلقة الرابعة عشرة من المسلسل إلى موضوع سياسي كبير. ما اضطر الشركة المنتجة لإصدار بيان رسمي للاعتذار عن اللقطة، فضلاً عن حذفها الحلقة من "يوتيوب" ثم تحميلها مجدداً بعد إزالة اللقطة "المسيئة". وكل ذلك لم يمنع المحامي سمير صبري، المعروف عنه تصيده لكل ما يضعه تحت الضوء دائماً، من المطالبة بوقف عرض المسلسل في بلاغ تقدم به للنيابة العامة!

في السياق، شن "النقاد" هجوماً كبيراً ليس على المسلسل بل على نوايا أصحابه أيضاً، فعلى سبيل المثال رأت الناقدة خيرية البشلاوي أن مخرج العمل محمد شاكر خضير هو المسؤول الأول عن كل صغيرة وكبيرة في العمل، وعن كل ما يظهر على الشاشة، مؤكدة أن الظرف السياسي الحالي "حرج ولا يحتمل مثل هذه الأخطاء" التي ضخمتها بالتأكيد السوشيال ميديا، وتابعت في تصريحات صحافية: "إذا كانت نية صناع المسلسل سيئة فسيحاسبون"!

ولا أحد يعرف كيف يمكن لهذه الناقدة أن تعرف ما هي نوايا صناع المسلسل أو كيف يمكن تحديد الظرف الحرج من سواه؟ وكيف يمكن لكل ذلك أن يتأثر بمشهد في مسلسل تلفزيوني ترفيهي!

يشكل ذلك باختصار نموذجاً للطريقة المصرية الكلاسيكية في تحويل اللاشيء إلى حدث جلل. أما المسلسل نفسه فتقول أرقام اليوتيوب أنه من بين المسلسلات الأعلى مشاهدة في رمضان، كما تشيد تفاعلات الجمهور عبر مواقع التواصل بتفاصيله وقصته وطريقة إخراجه. فهو مأخوذ عن واحدة من روايات إحسان عبد القدوس، التي تحولت إلى فيلم من إخراج صلاح أبو سيف العام 1961، غير أن المقارنات لم تأخذ مساحة واسعة في النقاش العام، ولم تتعدى مجاورة صور أبطال المسلسل وأبطال الفيلم جنباً إلى جنب فقط.

ذلك أن الجهد الذي بذله تامر حبيب في كتابة السيناريو ومحمد شاكر خضير في الإخراج، أعطى نتيجة إبجابية في شكل عمل منسوج بإحكام، حيث بدأت حلقته الأولى بإيقاع سريع على خلاف المعتاد في البدايات الدرامية في رمضان.

ويحكي المسلسل قصة عائلة أبو المجد التي تنتقل إلى بيت جديد بعد وفاة الأب بمدة لم تتجاوز العام. وتبدي الأم إقبال (ميرفت أمين)، اهتمامها بالجميع وتحاول الحفاظ على روابط أسرتها بكل ما أوتيت من قوة، أمام مسارات الحياة التي يرغب بها كل من اولادها، وعلاقاتهم بمجتمعاتهم الصغيرة، فالابن الأكبر أحمد (محمد ممدوح)، طيب القلب ودمث الأخلاق، لكنه شخصية مترددة سلبية في كثير من المواقف، والابن الأصغر آدم (أحمد مالك) هو طالب بكلية هندسة وسائق لحساب شركة "أوبر"، كما أنه شاب اجتماعي يُجيد التعامل في شتى المواقف. وتبدو الابنة الكبرى أفنان (ريهام عبد الغفور) متشددة الطباع لدرجة تضفي عليها بعضاً من الرجولة في عيون الآخرين، بعكس الابنة الوسطى إنجي (أمينة خليل) التي تعتبر فتاة جميلة، ودودة، اجتماعية وصاحبة كاريزما وتمتلك قدراً من الذكاء والحنو يجعلها على مقربة من الجميع. أما الابنة الصُغرى آية (جميلة عوض)، فهي شغوفة بالموسيقى ومُحبة للحياة، ومُغرمة بأستاذها هشام (فتحي عبد الوهاب).

يمضي المسلسل في تتبع مسارات الأولاد المختلفة، ويشكل الحب الموضوع الأساسي للمسلسل، لكنه استطاع رغم ذلك، نسج حياة اجتماعية مليئة بالتفاصيل الحميمة والمواقف التي أضفت على المسلسل بعداً واقعياً قادراً على جذب المشاهد وإدخاله في عالم حكايته، مع الإشارة إلى أن الإيقاع السريع المميز في البداية بدأ يتناقص تدريجياً ليقع العمل في فخ التطويل واللاأحداث في منتصف رمضان، وكأن ورطة الثلاثين حلقة أوقعت الكاتب في ما لا يقدر على إكماله بالإيقاع نفسه.

وهنا، تراوح أداء الممثلين بين الامتياز (أحمد مالك، مريم الخشت، خالد كمال" والمعقول (أمينة خليل، جميلة عوض، ميرفت أمين" أما الحفاوة العامة بأداء الممثل محمد ممدوح فليست مبررة كثيراً لأن دوره لم يختلف كثيراً عما قدمه العام الماضي في مسلسل "غراند أوتيل"، حتى في مشهد مونولجه البكائي الذي أسر به قلوب متابعي المسلسل الجديد.

صورة المسلسل في مجملها خرجت من بين يدي مخرج يفهم أدواته البصرية جيداً لتقديم أقصى جودة ممكنة، لكن ما يعيبه هو ارتفاع صوت الموسيقى على أصوات الممثلين في الحوارات لدرجة يتعذر معها أحياناً فهم ما يُقال في المشهد. كما أن الممثلين محمد ممدوح وأحمد مالك تعيبهما مشكلات في النطق تجعل فهم معظم كلامهما متعذراً، وعليهما أن ينتبها إلى هذه النقطة الجوهرية في المستقبل.

في ضوء ذلك، يبقى العمل، رغم كل الانتقادات الفنية البسيطة ورغم تورطه في شأن سياسي بعيد تماماً عن موضعه، واحداً من أفضل الأعمال المقدمة في رمضان لهذا الموسم، وأجدرها بالمشاهدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها