الجمعة 2017/06/16

آخر تحديث: 13:33 (بيروت)

"بي بي سي" تكشف:شركة بريطانية تصدّر التجسس لأنظمة عربية

الجمعة 2017/06/16
"بي بي سي" تكشف:شركة بريطانية تصدّر التجسس لأنظمة عربية
الحكومة التونسية كانت من الزبائن الأوائل الذين اشتروا النظام الجديد لقمع المعارضين (غيتي)
increase حجم الخط decrease
كشف تحقيق أجرته شبكة "بي بي سي" بالتعاون مع صحيفة "داجبلاديت إنفورميشن" الدنماركية، على مدار عام كامل، عن أدّلة تؤكّد أن شركة "بي ايه إي سيستمز" البريطانية للصناعات الدفاعية عقدت صفقات ضخمة لبيع تكنولوجيا تجسس متطورة لعدد من دول الشرق الأوسط، بينها دول أنظمة حكمها قمعية، وتضمنت إحدى هذه الصفقات بيع أنظمة فك شفرات يمكن استخدامها ضد بريطانيا وحلفائها، في حين أعربت منظمات حقوقية وخبراء في الأمن الإلكتروني عن مخاوفهم الشديدة من إمكانية استخدام هذه التكنولوجيا المتطورة في التجسس على ملايين الناس أو قمع أي شكل من أشكال المعارضة.


وبدأ التحقيق في بلدة نورساندباي الدنماركية، مقر شركة "إي تي آي" المتخصصة في صناعة أجهزة التجسس المتطورة، وكشف عن أن الشركة طوّرت نظاماً أطلقت عليه اسم "إيفدنت" قادر على تمكين الحكومات من القيام بعمليات مراقبة جماعية لاتصالات مواطنيها. وتحدث أحد الموظفين السابقين في الشركة لـ"بي بي سي"، من دون كشف هويته، عن طريقة عمل هذا النظام، وقال: "ستكون قادرا على اعتراض أي نشاط في الإنترنت. وإذا أردتَ القيام بذلك في دولة بأكملها، فإن هذا النظام يتيح لك هذا الأمر. كما يمكنك تحديد مواقع الناس من خلال بيانات هواتفهم المحمولة، وتتبع الناس من حولهم. هذه الوسائل تستخدم تكنولوجيا متقدمة إلى حد كبير في التعرف على الأصوات. تلك التكنولوجيا كانت قادرة على فك الشفرات".

وكشف التحقيق أن الحكومة التونسية كانت من الزبائن الأوائل الذين اشتروا النظام الجديد. والتقت "بي بي سي" مسؤولاً سابقاً في الاستخبارات التونسية، كان يتولى تشغيل نظام "إيفدنت" لصالح نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي. وقال هذا المسؤول: "إي تي آي ركبت هذا النظام. وجاء المهندسون لتنظيم دورات للتدريب على استخدامه. يعمل النظام بكلمات دالة. أنت تدخل اسم معارض من المعارضين، ثم تراقب جميع المواقع والمدونات والشبكات الاجتماعية المرتبطة بذلك المستخدم". وأضاف المصدر أن الرئيس بن علي استخدم النظام لقمع المعارضين حتى الإطاحة به في شباط/يناير 2011، فيما اعتبرت أول انتفاضة شعبية أنطلقت بعدها موجات الربيع العربي بالمنطقة.

وفيما امتدت الاحتجاجات إلى أنحاء العالم العربي، باتت وسائل التواصل الاجتماعي أداة رئيسية لمنظمي هذه الاحتجاجات. وبدأت الحكومات في البحث عن أنظمة تجسس إلكترونية أكثر تقدماً، ما فتح سوقا جديدة مربحة للشركات العاملة في هذا المجال، مثل "بي أيه إي سيستمز". وبعد العام 2011 استخدمت الشركة  فرعها في الدنمارك لتوريد أنظمة "إيفدنت" لكثير من دول الشرق الأوسط التي لديها سجلات مثيرة للجدل في حقوق الإنسان.

وكشفت معلومات حصلت عليها "بي بي سي" والصحيفة الدنماركية بموجب قوانين حرية الاطلاع على المعلومات، عن عمليات تصدير لكل من السعودية ودولة الإمارات العربية وقطر وعمان والمغرب والجزائر. وبينما لم يكن ممكناً الكشف مباشرة عن حالات فردية ترتبط بنظام "إيفدنت"، كان لمستويات التجسس الإلكتروني المتزايدة تأثير مباشر وبالغ في تحركات نشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن الديموقراطية في الكثير من الدول التي اشترت "إيفدنت"، بحسب "بي بي سي".

ولما طلبت "بي بي سي" من حكومات السعودية وعمان والإمارات التعليق على ما جاء في التحقيق، فإنها لم تتلق أي ردود حتى الآن. واشارت الشبكة البريطانية إلى أن جميع صفقات أنظمة التجسس أجريت حتى الآن بطريقة قانونية بموجب تراخيص التصدير الحكومية في الدنمارك، التي تصدرها هيئة التجارة الدنماركية.

بموازاة ذلك، ورفضت "بي أيه إي سيستمز" في بريطانيا طلب "بي بي سي" لقاء أحد مسؤوليها للتعليق على نتائج التحقيق. وقالت إن الطلب يتعارض مع سياسة الشركة بشأن عدم التعليق على عقود بعينها. لكن الشركة قالت، في بيان مكتوب إنها "تعمل مع عدد من المنظمات حول العالم من خلال الإطار القانوني لجميع الدول ذات الشأن ضمن مبادئ التجارة المسؤولة لدينا".

من جانب آخر، كشف تحقيق "بي بي سي"، أن مبيعات أنظمة "إيفدنت" ربما يمكن أن يكون لها تأثير في الأمن القومي في بريطانيا. وأشارت الشبكة إلى أن نسخة محدثة من النظام توفّر إمكانية أخرى، هي فك الشفرات، أو تحليل الشفرات، إذا استخدمنا المعنى الفني. وتتيح هذه النسخة من النظام قراءة الاتصالات حتى إذا استخدمت فيها برامج أمنية لتشفيرها، ما يعني أنه يتيح لمستخدميه إمكانية الوصول إلى الاتصالات البريطانية نفسها.

ونقلت "بي بي سي" عن روس أندرسون، أستاذ هندسة الأمن في جامعة كامبريدج، قوله إنه "بمجرد بيع الجهاز إلى شخص ما قد يمكنه القيام بما يريده به". وأضاف: "دولة عربية ما تريد شراء أجهزة تحليل الشفرات بزعم أنها ستخصصها لأجهزة إنفاذ القانون بها. هذه الدول لديها سفارات في لندن وواشنطن وباريس وبرلين. ما الذي سيوقفهم عن وضع أجهزة تجسس كثيرة في مدننا ثم استخدام أجهزة تحليل الشفرات لفك رموز المكالمات التلفونية التي يسمعونها؟"

في المقابل، يقول خبراء في الشؤون الأمنية إنه بينما تواجه دول كثيرة في أنحاء العالم تهديدات إرهابية متزايدة، ثمة تبرير واضح لمبيعات أجهزة المراقبة والتجسس. ويرى جوناثان شاو، الرئيس السابق للأمن الإلكتروني في وزارة الدفاع البريطانية: "إنها تضحية بخيارات للحصول على أخرى".

ولم يرغب أي مسؤول من الحكومة البريطانية في التحدث إلى "بي بي سي" بشأن الآثار الناجمة عن مبيعات أنظمة "إيفدنت". لكن وزارة التجارة الدولية أصدرت بيانا، قالت فيه: "الحكومة تضطلع بمسؤوليتها بشأن صادرات الصناعات الدفاعية على نحو جاد وتستخدم واحداً من أقوى أنظمة مراقبة الصادرات في العالم".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها