السبت 2017/06/10

آخر تحديث: 12:12 (بيروت)

السلطة المصرية متفرغة لألفاظ المسلسلات.. وكل مواطن مُخبِر!

السبت 2017/06/10
السلطة المصرية متفرغة لألفاظ المسلسلات.. وكل مواطن مُخبِر!
تلقى مسلسل "الحرباية" انتقادات أخلاقية بسبب ملابس هيفا وهبي!
increase حجم الخط decrease
كأن التأميم الجديد الذي قامت به السلطة للإعلام لم يكن كافياً لها، لتصدر فجأة بشكل غير مفهوم عبر "المجلس الأعلى للإعلام"، تقريراً حول ملاحظاتها الرقابية على الأعمال الدرامية والبرامج الرمضانية، رغم الحقيقة الواضحة بأن ملكية كل القنوات المصرية الخاصة تعود لأحمد أبو هشيمة أو لرجال أعمال آخرين مقربين من الدولة، كطارق نور (القاهرة والناس) أو محمد الأمين (سي بي سي)، وأن كل ما يبث على الشاشات هو تحت السيطرة الرقابية والأمنية تماماً، خاصة في مجال الدراما التي غلب على إنتاج أكبرها تامر مرسي صاحب شركة "سينرجي"، وهو المنتج "الغامض" الذي ظهر من العدم العام 2007، وشريكه الضابط السابق ياسر سليم.


التقرير "مرعب" من ناحية أنه يلاحق كل شيء وأي شيء على شاشة التلفزيون وفي الراديو أيضاً، مقسماً ملاحظاته إلى "تجاوزات لفظية" و"إيحاءات جنسية" و"سلوكيات مخلة بالآداب" و"أخطاء تاريخية" و"إسقاطات سياسية". أما الإعلانات، في التقرير نفسه، فضمّت اتهامات مروعة مثل "التحريض على العنف ضد الأطفال" و"الإساءة لسمعة مصر"!

المجلس، وبعد تقريره الذي يقول فيه أنه تابع كل شيء تقريباً، أو على الأقل المسلسلات الأكثر مشاهدة وجماهيرية في مصر، قرر فرض غرامات على القنوات الفضائية التي "ستخرج على القيم"، بواقع 200 ألف جنيه للقناة التلفزيونية، و100 ألف جنيه للمحطة الإذاعة، وسيبدأ تنفيذ هذه الغرامات اعتبارا من 15 تموز/يونيو المقبل، وستنفق هذه الغرامات على الإبداع الفني، وسيحصل كل مواطن قدم تسجيلاً بالألفاظ البذيئة على 10% من مبلغ الغرامة.

المجلس إذن لا يراقب الأنفاس فحسب، بل يحول بالمكأفأة المالية، كل مواطن إلى مراقب أخلاق عامة، بل إلى واشٍ أو مخبر رخيص، ليسهل من مهمة مراقبة كل شيء وأي شيء. "الأخ الأكبر" هو كل واحد من المصريين، وهو للسلطة عيناها وأذنيها، هي التي تجنّده بحيث يصبح عميلاً لها في مقابل "مكافأة"!

وهنا يجب التذكير بأن المجلس الذي شكله الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ شهور قليلة، أصبحت له سلطة أشبه ما تكون بالضبطية القضائية بالإضافة إلى امتلاكه سلطة رقابية أعلى من كافة الجهات الرقابية في مصر. فبحسب القانون: المجلس هو هيئة مستقلة يتمتع بالشخصية الاعتبارية ومقره الرئيسي محافظة القاهرة ويتولى تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي والصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها، ويتمتع  بالاستقلال الفني والمالي والإداري في ممارسة اختصاصاته ولا يجوز التدخل في شؤونه. وتعد قرارات المجلس الأعلى ولوائحه واجبة النفاذ وملزمة لكل من المؤسسات الصحافية والمؤسسات الصحافية القومية والمؤسسات الإعلامية والمؤسسات الإعلامية العامة، وقراراته غير قابلة للطعن أو وقف التنفيذ، إلا إذا أمر المجلس أو قضت المحكمة المتخصصة بذلك. أي أن ما يقرره ذلك المجلس واجب النفاذ، ولا يمكن إيقافه تقريباً إلا بإجراءات شديدة الصعوبة.

والحال أن هوس نظام السيسي زاد كثيراً تجاه الشكل الأخلاقي، ووصل إلى حد متطرف يتتبع عنده الألفاظ في المسلسلات، وهو الأمر الذي تتميز به هذه الفترة، لكون هذه الرقابة اللغوية والتأويلية، أعتى أنواع الرقابة على الإطلاق. إذ ما عادت هناك حركة يمكن أن يلقي عليها النظام حمولة سلطته، ولا أصوات معارضة، بالشكل التقليدي، تعلو ضده، ولا ألوان طيف مدجنة وخاضعة لمظلة الدولة الكبيرة. ما ينقص هنا هو تذكير الجميع بأن الضغط لم يصل إلى حده الأقصى بعد.

بالتالي، لم يكف السلطة الحالية أن المنتجين الموالين لها يشوهون ثورة يناير بشكل ممنهج في عدة مسلسلات، ولم يكفهم الحفاوة الممنهجة أيضاً بالجيش والشرطة في "جميع" المسلسلات. بل باتوا يريدون الآن ضبط البقية الباقية من الحرية المحدودة للإبداع الدرامي، فأصبحت "الأفيهات" القليلة المضحكة تزعجهم، وصارت عدة سنتيمرات من الملابس تؤرق سلطتهم، كما يجرح أي لفظ "في سياقه الدرامي" تصورهم الأخلاقي العام.

ورغم مشاركة هذه السلطة في كتابة وإنتاج معظم الأعمال الدرامية لهذا العام، إلا أنها لم تكتف بذلك، فأرادت في البداية أن تبثت الدور الذي يقوم به المجلس الأعلى للإعلام من ناحية، وأن تشرك المواطنين في نظام "الحسبة" الجديد من ناحية ثانية، بموازاة الرغبة المشهدية في استعراض العضلات السلطوية بكل تأكيد، لتتقلص المسافة بين ما يحدث هنا وبين ما يحدث في كوريا الشمالية أكثر فأكثر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها