الأربعاء 2017/04/19

آخر تحديث: 22:10 (بيروت)

السوري والفروج

الأربعاء 2017/04/19
السوري والفروج
increase حجم الخط decrease
كنا مجموعة من النفرات نتسكع في باريس في شارع سان دنيس ستراسبورغ حيث تقع بعض المطاعم التركية والتي تقدم الكباب الأورفلي واللحم بعجين، إضافة إلى محل لبيع الغذائيات وعلى رأسها الفروج المشوي الذي يعشقه السوريون.


وما إن شاهدنا الفروج يتقلب على السيخ برفقة زملائه الفراريج حتى قررنا إلغاء فكرة تناول الكباب واستبدالها بالفروج المشوي، تقدمنا إلى الشاب الذي يبيع فإذا به نفر كردي قديم من أكراد تركيا، فبادرته بالحديث وطلبت منه أن يعطينا فروجين مشويين كي نأخذهما معنا إلى البيت.

ومن كلمة لكلمة عرف البائع أننا سوريون، وأنني بالذات كردي من سوريا، فسألني عن كوباني وقامشلو وعفرين وهو يقسم كل فروج إلى قسمين كما هي العادة في هذا المحل ليضعها جميعاً في علبة كبيرة مخصصة لهذا الغرض. كما أنه أبدى تعاطفاً شديداً معنا ومع مأساتنا السورية بشكل عام، مما اضطرني للقيام بدور المترجم لباقي النفرات كونه يتوجه بالحديث إليهم، واتخذ الحديث طابعاً مأساوياً من خلال أسئلته وأجوبتنا تتخلله ملاحظات وآراء لها علاقة بانتقاء الفروجين المطلوبين والسؤال عن نوعية المقبلات المرافقة لهما، ثم اختلط الحديث ببعضه البعض فهو يسألنا عن القصف والتفجيرات والإشتباكات ونحن نسأله عن المخلل والكاتشب والمايونيز بعد أن يأسنا من وجود كريم التوم، المهم طلع ما في مخلل مع الوجبة، لكنه أشار إلى أن هناك قطرميزات في الداخل للبيع.

هرعنا إلى داخل المحل واشترينا  قطرميزاً بلاستيكياً كبيراً من مخلل الخيار نادر الوجود في فرنسا بسرور بالغ وقفلنا إليه عائدين لنجد طلبيتنا جاهزة في علبة كبيرة داخل كيس بلاستيكي كبير، حاسبناه وانطلقنا مسرعين إلى البيت ونحن نحلم بالفراريج المشوية على الطريقة السورية، وحال وصولنا مددنا الجرائد الفرنسية على الطاولة، وفردنا الفراريج والبطاطا المقلية والصلصة الحارة المرافقة والكاتشب والمايونيز والمخلل العجيب، وقبل أن نهجم انتبهنا سوية وبنظرة واحدة أن هناك نصف فروج زائد، لم نصدق أعيننا، نعم إنها خمسة أنصاف وليست أربعة، وتذكرنا البائع الكردي وتعاطفه معنا، تذكرنا نظراته الحزينة وهو يستمع إلى أخبار بلادنا المحطمة، تذكرنا حتى أنه ذرف دمعة في خضم الحديث لم يقطع استرسالها سوى سؤال أحدنا عن سبب عدم وجود كريم الثوم، ثم فهمنا معاً وبدون أي خلافات في وجهة النظر كما هي عادة السوريين أن نصف الفروج الخامس كان هدية لنا نحن السوريين الهاربين من بائع كردي تركي متعاطف حزين.

تذكرت هذا بينما كنت في مدينتي الفرنسية الصغيرة أشرب البيرة في البار، خرجتُ لأدخن فوضعت كأسي على طاولة يتقاسمها شخصان يتحدثان بالعربية الجزائرية الدارجة، أحدهما يأكل والثاني يطالبه بعدم الأكل هنا.

لكن الشخص الذي كان يأكل تابع الأكل من كيس ورقي أحضره معه إلى البار فيه نصف فروج ورغيف خبز شرقي ضخم، تدخلت في الحديث بلا سبب وقلت للشاب الرافض لموقف الأكل باللغة العربية إنو خليه ياكل شو المشكلة يعني! فعبس في وجهي مقرراً أن يدخل معي في شجار بسبب تدخلي في خصوصياته، ومع تصاعد لهجة الحوار طلب مني بنبرة حادة عدائية الحديث بالفرنسية ، فأجبته بأنني لا أتقن ذلك، فسألني بغضب: من أين أنت؟ فقلت: من سوريا، تغيرت ملامحه وقال: سوري؟! قلتُ: نعم سوري. قال: قول والله أنك سوري. قلتُ: والله العظيم. وفجأة رأيتُ الشاب الآخر يناولني نصف  الرغيف المحشو بالدجاج المشوي ويطلب مني أن آكل بلهجة آمرة.

شرحتُ له بأنني لستُ جائعاً، لكن الشاب الذي كان رافضاً لموقف الأكل في البار من قبل صديقه أمرني هو الآخر وبلهجة حازمة بأن آكل، أمسكت بنصف الرغيف وبدأتُ بالأكل وسط نظرات الإرتياح من قبل الشاب، بينما كان الشاب الآخر الذي يأكل قد أمسك بما تبقى من الفروج بيديه منقضاً عليه بشكل علني تحت أنظار صديقه الذي كان منذ قليل مستنكراً لهذا الفعل غير الحضاري ومستهجناً هذا المشهد غير الأنيق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب