السبت 2017/03/25

آخر تحديث: 14:52 (بيروت)

أول مسلسل رعب سوري.. مسكون بأشباح الرداءة

السبت 2017/03/25
أول مسلسل رعب سوري.. مسكون بأشباح الرداءة
استنساخ رخيص لشكل أمل عرفة بناء على فيلم The Grudge
increase حجم الخط decrease
أحضر ساحرة تطرد الأرواح الشريرة في طقوس البخور والضوء الخافت، وشبحاً بتقنيات بصرية ضئيلة وبعض المشوهين وقليلاً من المضطربين عقلياً وامزج كل ذلك بمشاهد الإعدام شنقاً ورسم الوجوه المرعبة بالطباشير في الزنزانات الحديدية الضيقة، وغيرها من الكليشيهات المنزوعة عن سياقها في أفلام رعب مختلفة، وستكون النتيجة عملاً مشوهاً مثل "الرابوص" الذي بدأت قناة "أبو ظبي دراما" عرضه مؤخراً.


العمل الذي يفترض أن يكون أول مسلسل رعب سوري، يبدو مفككاً ومملاً إلى درجة كبيرة، أما الرعب الوحيد الوحيد الذي سيحصل عليه المشاهد فيأتي فقط من فكرة متابعة العمل حتى نهايته، ليس من حدة المشاهد وبداعة الدراما بكل تأكيد بل بسبب المستوى السيء الكفيل وحده بإحداث سكتة قلبية للمشاهد المسكين.


يعود ذلك إلى السيناريو الغريب الخالي من القصة، والذي يدور في بقعة ما بين اللازمان واللامكان، حيث تعيش شخصيات ترتدي أزياء الستينيات ضمن ديكورات من الثمانيينات وتستخدم تكنولوجيا العقد الأول من القرن العشرين. كل ذلك التشتت المزعج ليس غلطة عابرة ولا محاولة لتقديم إبداع خاص، بل خطة استباقية لذر الرماد في العيون وتشتيت الانتباه عن مشكلة العمل الأصلية وهي خلوه من أي قصة، وكأن الكاتب سعيد الحناوي والمخرج إياد نحاس كانا يدركان سلفاً أن العمل سيواجه انتقادات بعد عرضه.

يعزز هذه الفكرة إقحام ممثلين لبنانيين، في سياق العمل، من دون القول أن العمل مشترك أو يدور في بيئة بين سوريا ولبنان، وبالتالي لا تصبح مشاركة بيار داغر وعمار شلق، وهما اسمان من من الدرجة الثانية حسب مقياس النجومية، أكثر من تشتيت إضافي ضمن المسلسل المتهالك على نفسه، خاصة أنهما غير قادران على رفع مستوى تسويق العمل عربياً.

ويجب القول أن أصحاب المسلسل، لا يعرفون ماهية الرعب أو الفلسفة القائمة وراء صناعة الرعب، وهي فلسفة مرتبطة بتحديد ماهية الخير والشر وكيف يقيّم الأفراد نظرتهم للعالم وكيف يبنون نظرتهم تجاه ما هو فظيع وما هو طبيعي، حيث يلعب الرعب كنمط درامي - أدبي على تلك المساحة من عدم اليقين على المستويين الفردي والجمعي أيضاً، لخلق المعنى والسياق، والذي يصاحبه الخوف بطبيعة الحال، حتى أنه يرتبط بما تقوم به الحضارة البشرية بمختلف تجلياتها من قمع واضطهاد، في سبيل التقدم، وذلك في أكثر تجلياته سوداوية.

كل تلك الأمور بكل تأكيد لم تكن موجودة عن طرح فكرة المسلسل كمشروع تسويقي خال من المعنى على ما يبدو، ويجب القول أن المسلسل ليس سوى إهانة للرعب كفكرة وفلسفة وإنتاجات أيقونية ولأشخاص موهوبين تركوا إرثاً كاملاً من الإنتاج الفكري القائم على الرعب.

والحال أن إنتاج مسلسلات رعب على المستوى العالمي يعتبر ضئيلاً مقارنة بالأنواع الدرامية الأخرى، ومقارنة بكمية إنتاجات الرعب في السينما أيضاً، وذلك لأن فكرة الرعب تنتهي بسرعة بمجرد أن يعتاد المشاهد على نمط الرعب ويحدد محاكمته العقلية تجاهه، حيث لا تشكل الأحداث وحدها الدافع نحو ذروة الفيلم بل كيفية محاكمته بين الخير والشر من كل شخص، وبالتالي يصل الفيلم إلى ذروته أسرع من أي نمط آخر ما يجعل الحفاظ على الأحداث حامية الوطيس من دون ابتذال أو خروج عن السياق أمراً صعباً، وبالتالي فإن إنتاج مسلسل مرعب من ثلاثين حلقة كاملة هو جريمة بكل المقاييس.

في السياق، تتعدد العوامل التي تدور في المسلسل، فهناك الشبح الذي لم يظهر بعد (أمل عرفة) وكثير من الذكريات عن الأب العنيف المدمن على الكحول (بسام كوسا) وهما الشخصيتان اللتان يفترض بهما لعب أدوار البطولة وصناعة جو الرعب مع تقدم الأحداث، لكن عرفة لم تظهر سوى في مشاهد محدودة بينما يبدو كوسا هزلياً أكثر من كونه مرعباً أو مقنعاً وكأنه نسخة رديئة لما قدمه سابقاً في أدوار حول الإدمان على المخدرات وجنون العظمة.

يملأ المسلسل هذا الفراغ بشخصيات جانبية لا تساعد على رفع مستواه، لكونها تقدم خطوطاً رومانسية وإجرامية ضمن المسلسل، بينما تتغير الموسيقا بموازاة تلك القصص بشكل عجيب بين الموسيقى الهادئة في مشاهد الغرام الباردة إلى موسيقى "روك" صاخبة عند مشاهد "الأكشن" التي لا تتعدى رفع السلاح أو الحديث في غرف مظلمة نسبياً عن عمليات سرقة منظمة تخطط لها العصابات بعيداً عن الأنظار. وبين الحين والآخر تتحول الموسيقا إلى موسيقا غامضة مع تشتت الكاميرا وتركيزها على الخلفية التي تتحرك فيها الظلال من دون أن ينبثق منها شيء أو تكون مهمة في سير الأحداث التي لم يقدمها أصحاب العمل بعد.

ورغم أن العمل يزخر بحشد من النجوم والموهوبين (وفاء موصلي، رنا شمس، عبد المنعم عمايري، ضحى الدبس، جيني إسبر، ناظلي الرواس..)، إلا أن كل تلك الأسماء تبدو باهتة كالأشباح، ومن السخيف أن بمقدور تلك الصفة حمل إشادة لكون العمل يدور في أجواء من الرعب، لكن الحقيقة أن الممثلين جميعاً يبدون كالأشباح مقارنة بأنفسهم وبما يفترض أن يقوم به أي الممثل أمام الكاميرا، وقد يعود ذلك إلى أنه لا يوجد أصلاً ما يقدمه الممثلون عطفاً على مستوى النص بأحداثه وحواراته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها