الثلاثاء 2017/03/21

آخر تحديث: 17:40 (بيروت)

أمي.. لم ترحل

الثلاثاء 2017/03/21
أمي.. لم ترحل
لا أقوى على زيارتها في المكان المسقوف بالرخام (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لطالما احتفيت بعيد الام في 21 آذار، على مدى 22 عاماً. عيد كنت أنتظره كل عام، لكن لم يستمر طويلا. للسنة الثانية على التوالي، أعيش العيد بمفردي. وهذه السنة، "شرّف" العيد مع الكثير من الكراهية والحب، والضعف والقوة، والحزن والفرح.  تناقضات لا أقوى على تحملها. 

كيف يمكن الإحتفال بالأم في ظل غيابها؟ كيف يمكن إلقاء الحب عليها وهي لم تعد هنا؟ 
موجع هذا العيد. أعيشه وحدي بطريقتي الخاصة. أحياه بوجع داخلي، يخترق القلب ويضرب الحواس، لتتجمد أمام كارثة ترافقني يومياً. هذا الألم  أتشاركه مع كل فرد وقعت عليه الفاجعة دون أي حسبان. إنه الرحيل المنكّه بتأوهات لا تزول. هو فقدٌ لا يتطلب مواساة من أحد. فهو وجع لا تضمد جراحه، فراق يغرق في فجوات تقتل النفوس. 

أمي التي رحلت، لم تكن تواقة للرحيل. قاومت من أجل البقاء، ليس حباً بالحياة، بل للإستمرار الى جانبي فيها. 

فهي تعلم، لو كانت هنا، سينتظرها مساءً حفل عشاء برفقة عائلتها، مع قالب الحلوى ومجموعة من الهدايا.  وكي تكتمل الفرحة، سترفع صوت الموسيقى على أغنية "ست الحبايب" الأحب الى قلبها. وهي كعادتها جالسة على كرسيها  في وسط الصالون، مع تسريحة الشعر القصير والمائل الى اللون البني. ستعلو ضحكاتها في أرجاء المكان عندما ترانا ملتفين حولها. سترمقنا بنظرة إستغراب وكأنها لا تعرف السبب. سنقترب منها واحداً تلو الأخر. نتراقص فرحاً، وهي في انتظار قبلاتنا. 

سأقترب منها، أرتمي بين أحضانها. سأرفع يدي على خدها، وأقترب أكثر، لأقبل خدها الأيمن. تلتفت، فأسارع الى الأيسر. أغمرها، أنظر الى عينيها، وأهمس "كل عام وانت بخير يا أمي". 

أمي لم ترحل. إنها هنا ترافقني في كل مكان. لا تزال حاضرة، تدسّ نبضها في عروقي، وتنشر رائحتها في جسدي. هي معي، هنا، لأحيا من جديد.

أما أنا، فلا أقوى على زيارتها في ذلك المكان المسقوف بالرخام الأبيض، والمحفورة عليه حقيقة لا زلت أختبىء منها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها