الثلاثاء 2017/11/07

آخر تحديث: 13:48 (بيروت)

قضية "الأم العزباء": تفسيرات أخرى لعنف "الفضيلة" المصرية

الثلاثاء 2017/11/07
قضية "الأم العزباء": تفسيرات أخرى لعنف "الفضيلة" المصرية
صدر حكم بالحبس 3 سنوات على دعاء صلاح التي ناقشت الموضوع عبر قناة "النهار"
increase حجم الخط decrease
كل مافي المشهد الإعلامي المصري يدعو للارتباك؛ ما بين حق جديد من حقوق الإنسان، قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منتدى شباب العالم إضافته إلى ما اتفقت عليه البشرية منذ عشرات السنين، ملحوقاً بحفاوة ضخمة من الإعلام المصري. وذلك جنباً إلى جنب الاحتفاء بأغنية يغنيها "كهل" جزائري في المنتدى الشبابي المصري، وهو "الشاب خالد"، وكأن لقبه كافٍ ليكون صوت المنتدى، وموت معتقل وسط صخب في مواقع التواصل وصمت إعلامي رسمي. وأكبر الغرابات الأخيرة كان حبس المذيعة دعاء صلاح.
فقد حكمت محكمة جنح مصر الجديدة، بحبس المذيعة دعاء صلاح، مقدمة برنامج "دودي شو" في قناة "النهار"، حضورياً، لمدة 3 سنوات، بتهمة التحريض على الفسق والفجور. وقررت المحكمة إلزام المذيعة، سداد كفالة مالية وتعويض مجانيّ مؤقت بقيمة 10 آلاف جنيه (550 دولار تقريباً). وكان المحامي أشرف ناجي، قد أقام دعوى ضد المذيعة حملت الرقم 9724 لسنة 2017، واتهمها فيها بالتحريض على الفسق، وارتكاب عمل خادش للحياء، حيث ظهرت في فضائية "النهار" خلال برنامجها "دودي شو" ببطن منتفخة كأنها حامل، لتتحدث عن قضية الأم العازبة. وكانت نقابة الإعلاميين قررت وقتها (تموز الماضي) إيقاف المذيعة نظراً لتجاوزها، وتناولها لأمور مخالفة للشرع، ومنافية لآداب وقيم المجتمع. وقد ردت المذيعة بأنّ الجمهور فهم الموضوع بصورة خاطئة، وأنا لم أقصد تعليم الفتيات الفسق والفجور، لكنه كان موضوعاً للنقاش".

السطور السابقة هي ملخص الخبر الذي انتشر في المواقع والبوابات الإخبارية المصرية، خلال الأيام الماضية، من دون أن تعليق. مرّ الخبر كأنه لم يمرّ، وكأنه صار عادياً أن يلقى أي إعلامي مثل هذه العقوبة، لأن "الفسق" و"خدش الحياء" صارا تهمتين مطاطتين، يمكن أن يندرج تحتهما أي شيء طالما أن باب التأويل مفتوح. 

هكذا تحول برنامج ترفيهي "تافه"، لا يحظى بنسب مشاهدة كبيرة، إلى قضية أخلاقية واجتماعية، انشغل بها القضاء المصري، وأصدر فيها حكماً "سريعاً" للمحافظة على ما يتصور أنها الأخلاق العامة التي تأثرت بفقرة ترفيهية.

في تموز الماضي، وبعد قضية الأم العازبة أو "السينغل ماذر" التي شغلت المجتمع وقتها، كانت دعاء قد ظهرت في حلقة ببطن منتفخة مرتدية ثياباً توحي بأنها حامل، وأشارت إلى فيلم كوميدي بعنوان "بشتري راجل"، والذي تقول دعاء إن بطلته فكرت باستئجار زوج لوقت محدد لتصبح أماً. وقالت: "لو اتطلقتي حتبقي أم عزباء؛ ولو -بعيد الشر- اترملت حتبقي أم عزباء، يمكن انت تختاري بنفسك تبقي أم عزباء من قبل ما تتزوجي؟ هو ده اللي حنحكي عنو النهارده".

وأشارت دعاء إلى أن فكرة الأم العزباء بمفهومها الغربي؛ حيث يمكن للنساء الذهاب إلى أحد بنوك الحيوانات المنوية ومن ثم إجراء عملية تلقيح من دون الحاجة للاتفاق مع أحد الرجال ليصبح زوجها، ليست ممكنة في المجتمع المصري. وتقول المذيعة إنه "في مجتمعاتنا العربية يجب تحوير المواضيع قليلاً"، لذا فهي تناقش فكرة الزواج المؤقت بهدف الإنجاب.


المذيعة المسكينة، كانت تحاول أن تناقش القضية من مدخل أخلاقي عربي أيضاً. كلامها وتعليقها مزج بين الواقع في قضية "هدير مكاوي" والخيال في فيلم "بشتري راجل"، أي أنها تريد أن تطرح للنقاش فكرة الزواج بغرض الإنجاب. قالت "الزواج"، ولم تقل العلاقات خارج مؤسسة الزواج. ثم إنها ليست المرة الأولى للمذيعة التي تتماهى مع موضوع حلقتها، وقد ظهرت برأس صلعاء في حلقة السرطان مثلاً. أي أن ما يظهر على الشاشة هو جزء من "الشو" للفت انتباه المشاهدين، وجزء من صناعة الترفيه في الميديا المتمثلة في القدرة على لفت الانتباه.

لماذا آذت البطن المنتفخة، المحامي رافع القضية، ومن ثم المحكمة، لدرجة إصدار حكم ضدها؟ وفي المقابل، لماذا قوبلت هذه القضية تقريباً بهدوء أو لا مبالاة من المعنيين بالمجال الإعلامي المصري؟ السؤال الأول يمكن الإجابة عليه بالنظرة إلى المشهد الأخلاقي الذي ساد خلال الشهور القليلة الماضية. الدولة صارت مهووسة بتتبع نيات الناس، وأي بادرة تصرف خارجة على "المألوف" - كما تراه - من طالب وطالبة جامعية يُفصلان لأنهما تعانقا أمام الجميع، إلى رفع علم قوس قزح الذي تحول إلى الشغل شاغل في المجتمع لأكثر من أسبوعين جندت فيه الدولة إعلامها وأمنها لإخافة البقية الباقية من الشعور المحافظ وإقرار قوانين تجريم المثلية. 

كل هذه الأحداث عابرة وصغيرة، وكان يمكن ألا تكون "حدثاً"، مثلها مثل حلقة الأم العزباء في قناة "النهار". لكن الدولة قررت أن تجعل من الموضوع أكبر مما يعنيه حقاً، وذلك لأنها بالفعل تعاني غياب أي مرجعية "فضيلة" لهذا المجتمع، بعدما انهار الإسلام كنقطة ارتكاز أخلاقية بفعل انهيار الجماعات الإسلامية، ولم تعد الدولة قادرة على طرح نفسها كبديل أخلاقي –كما حدث من قبل في الحقبة الناصرية. لذلك، فإن قوتها كدولة قادرة على "الهيمنة" تراخت كثيراً، في حين تعاني هذه الدولة نفسها، هشاشة بنيوية، تجعل ردود أفعالها إزاء هذه "الأحداث" أكثر عنفاً، لمحاولة التأكيد على قدرتها على السيطرة على "الانفلات" الأخلاقي، لا سيما المشهدي والمعلن منه.

أما عن الهدوء تجاه قضية دعاء صلاح، فيبدو أن التعب واليأس يسيطران على أوساط النخبة، والإعلامية منها تحديداً، بعدما صار الجميع مهدداً في أي لحظة بأن يكون معرضاً للحبس، في قضية عبثية وبسبب جُملة عبثية قيلت هنا أو هناك. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها