الأربعاء 2017/11/22

آخر تحديث: 16:55 (بيروت)

كأن السوريين فشلوا في إسقاط الأسد.. فأسقطوا ميركل

الأربعاء 2017/11/22
كأن السوريين فشلوا في إسقاط الأسد.. فأسقطوا ميركل
increase حجم الخط decrease
رغم أن الأزمة السياسية في ألمانيا، والمستمرة منذ يوم الأحد الماضي، غير مسبوقة في تاريخ البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بشكل قد ينهي الحياة السياسية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نفسها، إلا أن السوريين عموماً واللاجئين منهم في ألمانيا تحديداً، لم يتفاعلوا بشكل كثيف مع الحدث، كما قد يُتوقع، كأنهم لا يدركون تماماً خطورة الموقف عموماً والذي قد يؤثر في مستقبل وجودهم في البلاد.


وبعكس حالات سابقة، شكل فيها اللاجئون صوتاً مهماً في الجدل داخل البلاد، غابت النقاشات حول مأزق الديموقراطية الألمانية عن مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مفاجئ، ويرتبط ذلك بلا شك بجذور عميقة في التفكير الجمعي السوري، ونظرة السوريين إلى الديموقراطية المرتبطة حصراً بفكرة إجراء انتخابات من عدمها، من دون النظر إلى تفاصيل أخرى مثل تداول السلطة وتقاسمها كنتيجة للانتخابات، مع الفارق الشاسع في معنى الانتخابات المرتبطة في البلاد طوال عقود بانتخاب القائد الخالد كزعيم مدى الحياة.

هذه الهالة للزعامة الأسدية كرست خلال خمسة عقود تقريباً، نموذجاً لمفهوم ومعنى الحياة السياسية ولا يمكن لوم السوريين على محاكمتهم لحالة الديموقراطية الألمانية اليوم من منطلق خبرتهم مع السياسة الأسدية، وهي في جوهرها نقيض الديموقراطية، لأنهم في النهاية لم يختبروا أي شيء آخر طوال حياتهم، وبقيت خبرتهم محدودة ونظرية فيما يتعلق بتجارب الدول الديموقراطية، والتي كان النظام الأسدي عموماً يهاجمها، في إعلامه ومدارسه وخطابه العام.

ويمكن تلمس ذلك في تفاعل السوريين اللافت خلال الانتخابات الأخيرة التي شهدتها البلاد في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، حيث أبدى السوريون حينها تاييداً ساحقاً لميركل بسبب مواقفها الإيجابية من مسألة اللجوء منذ العام 2015، عندما استقبلت البلاد أكبر عدد من اللاجئين في القارة الأوروبية، وبدا مشهد تأييد ميركل مشابهاً بشكل مثير للسخرية من مشاهد تأييد الأسد نفسه من قبل مواليه (دويتشه فيلله).

ورغم أن نتائج الانتخابات كانت مقلقة بشدة حينها لأن التحالف المسيحي الذي تقوده ميركل والمكون من الحزب المسيحي الديموقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي حقق أسوأ نتيجة له منذ العام 1949 فيما شهدت البلاد دخول أول حزب يميني متطرف هو "الحزب البديل" كجزء من النازية الجديدة إلى البرلمان في بلاد عانت لسنوات من مسألة العنصرية، إلا أن السوريين خلال تلك الفترة نشروا هاشتاغات كثيفة عبر مواقع التواصل تؤيد ميركل وسياساتها بخصوص اللاجئين، وتم إطلاق تسمية "ماما ميركل" على المستشارة المصنفة من قبل مجلة "فوربس" مطلع الشهر الجاري كأقوى امرأة في العالم للعام السابع على التوالي.

ياتي ذلك بعد تعثر أحزاب "الاتحاد الديموقراطي المسيحي الألماني"، وحزبه الشقيق البافاري "الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، و"الخضر"، و"الديمقراطيون الليبراليون الأحرار"، في مفاوضات متوترة ومعقدة منذ حوالي خمسة أسابيع، لتنهار المفاوضات بينهم بشأن تشكيل حكومة ائتلافية يوم الأحد، علماً أنه ولم يحدث من قبل في تاريخ البلاد أن كانت مثل هذه المجموعة الواسعة والمتنوعة من الأحزاب هي الخيار الوحيد لتشكيل حكومة ائتلافية موحدة في ضوء نتائج الانتخابات الوطنية.

ومع إعلان الحزب الاشتراكي الديموقراطي وهو شريك الحزب المسيحي الديموقراطي في السلطة خلال ثمانية أعوام من الأعوام الـ12 التي قضتها ميركل على رأس السلطة التنفيذية في البلاد، رفضه إعطاء ميركل ولاية جديدة في منصبها بسبب أسلوبها السياسي "الكارثي" فيما يخص موضوع اللجوء بشكل خاص، ما ترك الأحزاب الأربعة الأخرى مجبرة على عقد ائتلاف بطيف سياسي واسع وأجندات مضاربة، من من أجل إيجاد طريقة لحكم القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا.

الجدل الألماني - الألماني، لا يتوقف عند السوريين وقضاياهم مثل لم الشمل الذي أدى لانقسامات وخلافات علنية وخطابات وعرائض حزبية خلال الأيام القليلة التي سبقت انهيار المفاوضات لتشكيل الحكومة، بل يمتد للمأزق الوجودي الذي تخلقه الأزمة في برلين لكامل الاتحاد الأوروبي، الذي كان يعتمد خلال السنوات الماضية على حكمة ميركل والنظرة الألمانية الجديدة عندما تعصف به الأزمات، وكان من المفترض أن تقود ميركل المتجددة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاتحاد بسلسلة من الإصلاحات تعمق التكامل الأوروبي.

وقد افترض مؤيدو الاتحاد الأوروبي أن كلا السياسيين سيكون لهما ولايات قوية مدتها أربع سنوات، ولكن ما يجري في برلين الآن كل شيء يضع كثيراً من الشكوك حول مستقبل الاتحاد الأوروبي، والمستقبل السياسي لميركل، اتذي كانت قبل أشهر فقط كان دعامة الاستقرار في أوروبا، خصوصاً انها في حال بقائها في منصبها قد تضطر لتقديم تنازلات كثيرة على صعيد السياسات الأوروبية.

النقاط السابقة كان يجب أن تشكل محاور نقاش سورية عميقة، خصوصاً انها تؤثر على المستقبل السوري نفسه في البلاد، فضلاً عن أن الطرح الناتج عن الأزمة والذي يقترح إجراء انتخابات جديدة قد يعني وصول شخصيات غير ميركل إلى منصب المستشارية، قد تطرح مقاربات مختلفة للموقف الألماني الرسمي من الأزمة السورية، وتحديداً فيما يتعلق بالعلاقات الألمانية والأوروبية مع النظام والموقف من رئيسه بشار الأسد.

في ضوء ذلك، يعكس الموقف السوري عبر السوشيال ميديا حالة عامة من عدم الاندماج يأخذ شكل عدم الرغبة في التورط في السياسات المحلية لدول اللجوء على هذا المستوى من التعقيد وتفضيل مقاربتها جمعياً بالشكل البسيط المعتاد والقائم على إجراء انتخابات ينتج عنها زعيم واحد كل بضعة سنوات، ومن المثير للاهتمام أن تقلبات الديموقراطية الألمانية قد تجعل السوريين تحديداً سبباً مباشراً في نهاية حياة ميركل السياسية وفسح المجال لظهور طبقة جديدة من القادة السياسيين في البلاد، رغم أنهم لجؤوا للبلاد بعد فشلهم في جلب الديموقراطية لبلادهم وإسقاط الأسد، دكتاتور بلادهم الوحشي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها