الإثنين 2017/10/09

آخر تحديث: 15:27 (بيروت)

بابا مكرم

الإثنين 2017/10/09
بابا مكرم
الجينز في مصر.. وقصّة الشعر في كوريا الشمالية.. والزي الموحد في الصين
increase حجم الخط decrease
مثل أبٍ محافظٍ يُلزِم أبناءه بما يراه من تفاصيل السلوك القويم؛ كانت تصريحات رئيس المجلس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد، كثير الظهور هذه الأيام. فهو القائل إن ارتداء البنطلونات الممزقة "إطلاقاً" لا تليق بالصحافي، أما ارتداء الجينز عند لقاء مسؤول ما، فهو معيب، وقال: "عيب صحافي يقابل مصدر أو مسؤول ببنطلون جينز".
نقيب الصحافيين الأسبق، المطرود برغبة الجمعية العمومية للنقابة بعد ثورة يناير، يبدو أنه يعتزم فرض الانضباط على النقابة التي جعلت من خروجه منها مسرحياً ومهيناً. وعليه فإن المشهد الذي لن يغيب عن ذهنه بالتأكيد، سيظل يلاحق قراراته وتوصياته وتصريحاته المختلفة. هكذا، يبدأ بأصغر التفاصيل وأقلها أهمية في "أحد أكبر سجون الصحافيين في العالم". 

والفكرة عند رئيس المجلس الأعلى للإعلام، وهو المجلس المُنشأ بتكليف مباشر من السيسي، هي ليست إقصاء ما هو أهم، بقدر ما يتمثل في إرساء قواعد انضباطية، بغرض إخضاع النقابة الأكثر مشاغبة والأكثر حيوية، ومن ثم تكون المعارك في الثانويات والفرعيات بلا الأصول.

وقد أتي التصريح هذا، بعد زيادة البدل الممنوح للنقابيين، وهي الزيادة التي وعد بها النقيب الحالي عبد المحسن سلامة، فجاءت هزيلة وأقل من طموحات الصحافيين. غير أن هذه الزيادة تأتي مشروطة، كما صرح مكرم محمد أحمد قائلاً: "المجلس سيتشاور مع النقابة للحد من تلك الظاهرة، خصوصاً بعد زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا".

الضبط المشهدي يأتي مع زيادة ما يعتبرونه "بدل التكنولوجيا"، وكأن الدولة ممثلة في عجوزها الصحافي، تعتزم تحويل الصحافيين إلى "جيش" بالمعنى الحر للكلمة، وادخالهم العالم الواسع للتكنولوجيا، في مقابل بدل سقيم، متسلحة بخطابها، وخطابها فقط.

كل ذلك يجانب، الى حد ما، الواقع والمنطق. لكننا كلما رصدنا فعلاً سوريالياً من هذا النوع، وجدنا النظام يسير فيه إلى آخره، حتى تحولت كل الفانتازيا السياسية خلال الأعوام الأربعة الماضية إلى واقع كابوسي نعيشه يومياً. صحيح أن التصريحات فتحت باباً واسعاً لسخرية الصحافيين وتهكمهم، من قياداتهم المعارضة مثل خالد البلشي، وحتى أصغر صحافي. غير أن الخبرة يجب أن تعلمهم أن السخرية وحدها لا تكفي لمواجهة هذه التصريحات، فربما يتحول التصريح المجنون إلى قرار فاعل واجب التنفيذ، كما فعل المستشار مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك من قبل ومنع دخول "النادي" لكل من يلبس "الشورت"! وبالمنطق نفسه تماماً، حيث رأى أن "المجتمع تفسخ، وأنا في النادي أعمل على تكملة دور الأب في البيت".

تجييش النقابة، هو جزء من حلم السيسي المشغول دوماً بالإعلام ويلومه على "تأخر" لا يراه غيره، ليس معنياً فقط بتحويل المنابر الإعلامية والصحافية بكل ألوان طيفها إلى لون واحد (وهذه الدولة تكره ألوان الطيف وأعلامها). لكنه منزعج أيضاً من كل ما يشوّه الصورة المثالية في ذهنه، وإن كانت واقعية. يؤيد الإعلام كبوق لنشر التفاؤل والحث على العمل. بعبارة أخرى، يريد الإعلام أن يتحول إلى إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، وربما هو في طريقه لتحقيق هذا الحلم، بدءاً من الملبس.

النظام حريص للغاية على التفاصيل المشهدية بالذات، لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع فرض هيمنته عليه، وضبط المشهد العام كما في الاستعراض العسكري. المهم أن "يبدو" كل شيء منضبطاً.

ولعل مكرم محمد أحمد وصلاح عيسى، وأمثالهما من المحنطين مرتدي البزات الكاملة وربطات العنق، يطمحون إلى تحويل النقابة إلى نموذج آخر من صين ماو تسي تونغ بشعبها ذي الزي الموحد، أو كوريا كيم جونغ أون المسموح لرجالها بعدد محدود من قصّات الشعر، يعاقب قانونياً من يحيد عنها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها