الثلاثاء 2017/10/24

آخر تحديث: 18:24 (بيروت)

لا تنسوا المعتقلين في سوريا!

الثلاثاء 2017/10/24
لا تنسوا المعتقلين في سوريا!
increase حجم الخط decrease
للوهلة الأولى يبدو الضغط الذي قام به ناشطون سوريون طوال الشهر الجاري، من أجل إعادة إحياء قضية المعتقلين والمغيبين قسراً لدى النظام السوري، كبيراً، لكن كمية الهاشتاغات والحملات والفعاليات التي ركزت كلياً أو جزئياً على المعتقلين لم تكن كبيرة لتصدر مشهد السوشيال ميديا في البلاد، رغم تزامنها مع أحداث مرتبطة بالمعتقلين، مثل الاستعصاء في سجن حمص المركزي أو اعتقال النظام للمعارض المعروف محمد الصالح (60 عاماً) للمرة الرابعة قبل أيام.


وربما كانت حملة "عائلات من أجل الحرية" التي نظمتها مجموعة من النساء السوريات في العاصمة البريطانية لندن، منتصف الشهر الجاري، عبر التجول في حافلة حمراء أطلق عليها اسم "دمشق" ألصقت عليها صور عشرات المعتقلين السوريين، من أجل التأثير في الرأي العام العالمي لخلق ضغط على النظام السوري لإطلاق سراح المعتقلين لديه، حيث توقفت الحافلة بين محطة وأخرى لتشرح معاناة السوريات وعائلات كثيرة في سوريا من غياب أي نبأ عن أقارب لهم اختفوا منذ بدء الثورة السورية.

وتأتي أهمية الحملة من فكرتها الفريدة، لكنها بشكل ملحوظ لم تتمكن من خلق تأثير حقيقي فبعد طوفان الصور الكثيرة للحافلة والتقارير الإعلامية عنها، على مدار يوم أو يومين منتصف الشهر الماضي، اختفت الحملة بسرعة وتراجع الحديث عن المعتقلين مجدداً عبر السوشيال ميديا وفي الإعلام العالمي، بسبب تصاعد الأحداث ميدانياً ضد تنظيم "داعش" وسقوط عاصمة الخلافة في الرقة الأسبوع الماضي على يد قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، علماً أن التغطية بقيت إلى حد ما محلية ومحصورة بالصحف البريطانية إلى حد كبير.



ولا تتوفر أرقام دقيقة عن عدد المعتقلين والمغيبين قسراً في سجون النظام، فيما تقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان عدد المعتقلين بـ92877 فضلاً عن 76656 من المغيبين قسرياً، وهو فصل لا بد منه عند الحديث عن ظروف الاعتقال في البلاد، لأن النظام يعمد إلى استخدام أساليب قهرية مضاعفة عبر حالات الاعتقال التي لا يتم الإفصاح عنها أو الاعتراف بوجودها، من دون توفير أي معلومات عن المغيبين قسرياً لعائلاتهم، وهو أمر ليس جديداً او مرتبطاً بظروف الثورة السورية فقط، بل يعود إلى الأيام الأولى لنشوء نظام الأسد إثر وصول حافظ الأسد للسلطة العام 1970 عبر انقلاب عسكري.

ومن نافل القول أن النظام على رأس الأطراف التي ترغب في طي ملف المعتقلين، الذي بات الحديث عنه قليلاً ونادراً في الخطابات الدبلوماسية حول مستقبل الحل السياسي في البلاد مع اقتراب الحرب لنهايتها. ويعود ذلك لحقيقة أن وجود المعتقلين والمغيبين قسراً بشكل خاص يكسر سردية النظام الدبلوماسية والإعلامية التي تصوره قوة شرعية تكافح الإرهاب بالشراكة مع المجتمع الدولي، بعكس حقيقته كتجسيد مثالي لإرهاب الدولة، حيث تذكر قضية المعتقلين، أكثر من أي ملف آخر ربما، بالأسباب الأساسية التي ثار الشعب السوري من أجلها، والتي تتعلق بسياسات القهر والظلم وحياة الخوف التي نشرها النظام طوال عقود.

بموازة ذلك، أطلق ناشطون مجموعة من الحملات الأصغر حجماً، مثل #لا_تنسوا_المعتقلين، وأعادوا إحياء حملات سابقة مثل#المعتقلون_أولاً و#أنقذوا_البقية، لكن كل تلك النشاطات بدت وكأنها تخاطب نفسها بطريقة أو بأخرى، وقد يعكس ذلك يأساً مترفاً من طول أمد هذه القضايا أو تجاهلاً لها وسط الاهتمام بأحداث أكثر حدثية مثل تحرير الرقة من "داعش"، أو عدم إدراك لحقيقة أن المعتقلين للأسف باتوا الفئة الأكثر تضرراً من مسارات انتهاء الحرب في البلاد لصالح النظام الذي نجح في التشبث بالسلطة واستعادة سيطرته على معظم مناطق البلاد بشكل سريع إثر معركة حلب العام الماضي، بفضل استخدامه سياسات الأرض المحروقة ضد المدن المعارضة المحاصرة، ومن اللافت أيضاً تزامن المنشورات ضمن هذه الحملات مع التأكيد على أن الثورة السورية مستمرة.

وفيما شاركت الصفحات السورية المعارضة الأكبر عبر مواقع التواصل، في الحديث عن المعتقلين، ضمن حملة "يوم الغضب السوري" إلا أن الصفحات التقليدية المتخصصة في شؤون المعتقلين مثل "ًصوت المعتقلين" كانت الأكثر نشاطاً، علماً أن بعض الناشطين يكرسون حياتهم الافتراضية بشكل كامل لضمان أن قضية المعتقلين لن تنتهي ولن تتلاشى، ومن بينهم الممثلة المعارضة يارا صبري التي تطالب عبر صفحتها في "فايسبوك" بشكل يومي منذ سنوات عن ظروف المعتقلين وأسمائهم وأي معلومات متداولة من معتقلين سابقين عن الموجودين في داخل المعتقلات ومساعدة العائلات ولو بخبر صغير يعطي أملاً للاستمرار في الحياة.

إلى ذلك، تبقى كل هذه الجهود كلها للأسف قليلة الانتشار وإن كانت شديدة الأهمية لكونها تقوم بدورين متلازمين، الأول أنها تطالب بما يغيب عن اتفاقيات المصالحات التي يقوم بها النظام في الداخل السوري مع القرى والمدن المعارضة من مطالب بإطلاق سراح المعتقلين في كل مكان جغرافي تشمله تلك المصالحات وإعداد قوائم بأسماء المعتقلين وتأريخ ظروف اعتقالهم أو تغييبهم. والثاني إبقاء القضية نفسها حية بشكل أو بآخر بانتظار فرصة أفضل لتقديمها على نطاق أوسع، وهو أمر مؤلم ومؤسف في نفس الوقت لأن ذلك يعني انتظار أحداث مروعة مثل ارتكاب مجزرة ما في أحد المعتقلات أو تسريب معلومات مروعة عن المعتقلات نفسها، مثل التقارير الصادمة عن سجن صيدنايا التي قدمتها منظمة العفو الدولية في وقت سابق من العام الجاري.

ويجب القول هنا أن حملات التضامن مع المعتقلين السوريين بعد سبع سنوات من الثورة في البلاد، باتت شبيهة بالحملات التي تقوم بها المعارضة الإيرانية المنفية في الخارج، والتي لا تحقق أي أثر، لأنها مرتبطة أصلاً بالضغط الآتي من المجتمع الدولي غير الراغب أصلاً في الضغط على إيران منذ الاتفاق النووي العام 2015، باستثناء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بطبيعة الحال.

ويعني ذلك أن ورقة المعتقلين السوريين ستتحول إلى مجرد أداة سياسية مستقبلية للضغط والضغط المضاد بين النظام والمجتمع الدولي، في مواسم الانتخابات الغربية تحديداً، ضمن أي مستقبل مظلم ينتظر البلاد، مع الملل العام من طول أمد الحرب السورية التي باتت تشكل أخطاراً كبيرة في قضايا الأمن واللجوء على الدول الغربية التي لم تعد تبالي بمصير الأسد أو التغيير الديموقراطي في البلاد مثلما كان عليه الحال في بدايات الثورة العام 2011، عندما كانت الحملات الافتراضية ضمن هذا السياق مجدية وذات معنى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها