الأحد 2016/09/25

آخر تحديث: 14:39 (بيروت)

هولوكوست حلب

الأحد 2016/09/25
هولوكوست حلب
يبدو أن قسوة الصور لم تعد كافية (عن مركز حلب الإعلامي)
increase حجم الخط decrease
الهولوكوست في حلب، ليس مزحة سمجة أو مجازاً لغوياً أو مبالغة عاطفية أو كابوساً، هي الحقيقة المؤلمة التي تنقلها الصور الآتية من عاصمة الشمال السوري، بعدما أطلق النظام السوري وحلفاؤه الروس والميليشيات الطائفية الداعمة له، عملية عسكرية "لإبادة الأحياء الشرقية في المدينة"، إثر انتهاء الهدنة القصيرة التي فرضها الاتفاق الروسي - الأميركي الأسبوع الماضي، وفشل الاجتماع الثاني لمجموعة "دعم سوريا" الدولية في نيويورك الخميس.

عدد الضحايا الكبير، منذ صباح الجمعة، يجعل الصور المتداولة عن ناشطي المدينة ومصوريها، باهتة رغم قسوتها والحقيقة التي تنطق بها وتوصلها للعالم، وكذلك الحال بالنسبة للتساؤلات الكليشيه من المعلقين والمغردين حول طبيعة النظام المجرم وهوية المجتمع الدولي الصامت عن تكرار المجازر، وبالتحديد حول معنى الإنسانية المفقود لدى مقترفي كل تلك الممارسات الهمجية في البلاد.

والحال أنه لا يمكن البحث عن الإنسانية في الحرب لأنها فعل مجرّد يقتضي التخلي عن الإنسانية أولاً كشرط لممارسته، ويصبح المشهد أشد قتامة عندما تكون الحرب حرباً أحادية الجانب ضد الإنسانية نفسها، كما يفعل النظام السوري منذ العام 2011، لكن التشبث بمفاهيم الإنسانية الأبسط يصبح الطريقة الأفضل لإظهار جرائم الحرب على حقيقتها المروعة من دون رتوش أو مبالغات.

وفي حالة حلب، لا تصبح صور المجازر والضحايا مجرد دليل على وحشية النظام، التي بات العالم يدركها جيداً، بل دليلاً على جدّيته في تطبيق سياسة الأرض المحروقة ضد شعبه ونقله حربه إلى مستوى آخر من العنف، علناً من دون مراوغات أو تبريرات إو إلقاء للاتهامات كما كانت عليه الحال طوال السنوات الخمس الماضية.

ومنذ 2011 لم تستخدم كلمة "هولوكوست" كثيراً للحديث عن عمليات النظام الوحشية ضد المدنيين في مناطق البلاد المختلفة، بل كانت تأتي في خلفية حديث الناشطين والإعلاميين عند التوجه للجمهور العالمي، كمقاربة لا تخلو من مبالغة مع مجازر النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، كأسوأ حرب في تاريخ البشرية الحديث، واليوم تنتقل الكلمة من الخلفية إلى صدارة العناوين، كنتيجة منطقية لما يجري سياسياً وعسكرياً: "150 غارة على حلب هذا الرقم وحده كافي ليثبت ان الاسد أخذ الضوء الاخضر من كل الدول"، يقول أحدهم في "تويتر".

متابعة الناشطين والإعلاميين نقل الحقيقة من حلب، بعد تحول الحرب والمجازر إلى سياق ممل يكرر نفسه منذ سنوات، أمر ضروري ومثير للإعجاب، لأنه انحياز للحياة، التزاماً بما تفرضه المهنة، ليس من منطق التعاطف مع الضحايا والحزن عليهم والتباكي على الإنسانية الضائعة فحسب، بل من منطلق رفض الحرب كنقيض للإنسانية التي تقوم عليها الصحافة نفسها بوصفها فعلاً حياتياً، أما كمية العواطف الآتية مع الصور فليست ابتذالاً بكل تأكيد لأنها تمنع تحول الصحافة إلى روبوت بارد، كبرودة الآلات التي تقتل المدنيين من دون إحساس بالذنب.

وتبرز هنا تغطية "مركز حلب الإعلامي"، الذي يقدم معظم الصور ومقاطع الفيديو من داخل المدينة، والتي تظهر مقتل العشرات خلال نومهم، أو الأطفال والأمهات في أسرتهم وهم يتحولون إلى جثث متفحمة وهم يعانقون بعضهم للمرة الأخيرة، وكذلك صور الدموع والقهر والعجز ممن بقي على قيد الحياة.

ويمكن القول إن قسوة الصور والأخبار لم تعد وحدها كافية لنيل التعاطف وإحداث الأثر المطلوب منها، بسبب استمرارية الحرب السورية لفترة طويلة، بل إن جدّة الصور وحداثتها واختلافها عن الصور التقليدية في سياق الحرب، هي العامل الأهم. وتبرز هنا صور الطفلين إيلان الكردي وعمران دقنيش كنماذج لهذه الفرادة في التقاط الصورة وتوقيتها، ويتكرر ذلك اليوم مع صورة العائلة المدفونة تحت الركام في عناق جماعي، والتي باتت عبر السوشيال ميديا رمزاً للمجزرة الجديدة.

"كل هؤلاء الناس ليسوا مجرد أرقام بل هم قصص من قهر وألم!"، يكتب الناشط هادي العبدالله في "تويتر"، وهي الكلمة الأصدق لما يجب أن تكون عليه التغطية عن حلب، لأن تحول المدنيين السوريين الأبرياء إلى مجرد أرقام هو انتصار للحرب على الإنسانية التي يحاول الناشطون التشبث بها ونقلها للعالم، خاصة أن الحرب لا تجري بين طرفين متنازعين بل هي أقرب لقرار إبادة من طرف واحد.

في ضوء ذلك، أطلق ناشطون مجموعة من الهاشتاغات (وسوم) "نصرة لمدينة #حلب المحاصرة وريفها وتسليط الضوء على القصف المكثف على الأحياء السكنية والجرائم اليومية بحق المدنيين"، أبرزها #HolocaustAleppo، #روسيا_تدمر_الانسان، و#RussiaDestroysHuman.

ويستخدم الطيران الروسي في قصفة لأحياء المدينة، مجموعة جديدة من الذخائر والأسلحة المحرمة دولياً، منها القنابل الارتجاجية "التي تحدث هزات أرضية موضعية وهي مخصصة لتدمير الملاجئ"، كما ينقل ناشطون في شرحهم لمستوى العنف غير المسبوق منذ صباح الجمعة، مع صور للدمار الهائل التي تحدثه تلك القذائف، ومقارنتها بالقذائف الأخرى مثل البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والنابالم وغيرها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها