الثلاثاء 2016/08/09

آخر تحديث: 16:36 (بيروت)

استعمار الأنثى المصرية

الثلاثاء 2016/08/09
استعمار الأنثى المصرية
increase حجم الخط decrease
ما إن ظهرت صورة "رويترز" لمباراة كرة القدم الشاطئية بين منتخبَي مصر وألمانيا، حتى عادت المسألة النسوية إلى قلب النقاش الدائر في مواقع التواصل الاجتماعي. اللقطة لقفزتين متزامنتين للاعبة المنتخب الألماني بالبيكيني، والمصرية دعاء الغباشي المغطاة بالكامل، استفزت الجميع للتعليق عليها، وكل من موقعه الهوياتي.
أعلى الأصوات الافتراضية راح إلى رفض ما تمثله المصرية في الصورة، بداية من ملابس "غير لائقة" في لعبة مكانها على الشواطئ، أي أنها، بداهة، تقتضي ارتداء المايوه. رأى هؤلاء في تمثيل المصرية لبلادها بهذا الملبس أمراً مخجلاً وتدهوراً ثقافياً ورياضياً، بل طالب البعض منع مثل هؤلاء الرياضيات لتشويهها صورة مصر، خصوصاً أنهن على علم بطبيعة هذه الرياضة وشروطها وظروفها.

وعلى النقيض، رأى أصحاب التعليقات المحافظة في ظهور المصرية بغطاء رأسها، فخراً هوياتياً، لأنها لم تتخل عن شروط التزامها وكذلك لم تترك حلمها الرياضي، فجمعت "الحُسنيين". إلا أن هذا الصوت المحافظ الخافت لم يصمد مع ما هو أكثر يمينية في تعديد المخالفات الشرعية في ملابسها الضيقة وسفَرها من دون محرم وقبولها أن يهز جسدها بهذه الطريقة، و"مزاملة السافرات"!

حاول البعض في هذه الاصطفافات الحدية، أن يرى ما في الصورة من جماليات محتملة ومشاكل أكيدة، كون البنت قادرة على إكمال مسيرة رياضية، ولو متواضعة، في بلد مثل مصر، لا تعترف إلا بكرة القدم وللرجال، وأنها تخوض مشكلات يومية جمّة في مكان سكنها الذي لا يرى في رياضة البنات سوى نوع من تضييع الوقت والتسيب الأخلاقي، ثم مع اتحادات رياضية مليئة بالفساد واللامبالاة، وعدم الرغبة في تطوير أي من الألعاب الفردية أو الجماعية الأقل جماهيرية من كرة القدم. كل تلك العقبات، جعلت اللاعبة المصرية كمّاً مهملاً يُنظر إليه بريبة من الجميع.

لكن النقاش حول الصورة المفارقة، انسحب من كونه تعليقاً عليها إلى قضية الحجاب، وما إذا كان حرية شخصية بالفعل أم لا، لتجعل من القضية موضوعاً نسوياً حيوياً وفاعلاً في المجال العام المصري.

انقسمت الآراء أيضا بين التيارين، الاول يرفض فكرة أن يكون الحجاب مجرد "حرية شخصية" خصوصاً أنه محكوم بسلطات أبوية واجتماعية ودينية، ما يجعل الخيار الشخصي مقيداً بمخاوف ومحاذير لا يمكن مواجهتها بلا ثمن إقصائي عنيف من المجتمع والأسرة.

فيما حاجج البعض الآخر بأن مثل اللاعبة، الحاضرة في ريو دي جانيرو، لن يكون ارتداؤها الحجاب إلا اختيارا وقناعة شخصية، ومثلها كثيرات ممن لم يخضعن لهذه السلطات، وأن الحرية ليست في حق ارتداء البيكيني وحده، بل البيكيني والحجاب والنقاب كل على قدم مساواة.

وراء كل هذا الغبار، صورة معنية بالأساس من وجهة نظر ناشرها الأصلي، بنقل التنوع الحضاري والثقافي في الأولمبياد، باعتبار أن زي كلّ من اللاعبتين، يرمز الى ملمح هوياتي لكل بلد من البلدين، وأنه ذو مدلول اجتماعي وسياسي وثقافي. وهو الاختزال الذي انسحب الجميع لنقاش تأثيره، من دون لحظة هدوء واحدة لتبيان أن الصورة غرضها استهلاكي، فهو بالضرورة اختزالي.

مشكلة مثل فتاة الكرة الشاطئية في المجتمع المصري لا تنحصر في غطاء رأسها. كل الخلاف على "المظهر" من دون نظر إلى حال البنت المصرية في العموم المستعمَرَة بأفكار أبوية، يجعل من بطلة الاسكواش المصرية، نور الشربيني، غير المحجبة مرتدية الجيبة القصيرة، موضوعاً للهجوم الافتراضي الواسع لأنها "لا تعبر عن ثقافتنا" وهو ما غطى على موضوع فوزها ببطولة رياضية مهمة.

سواء أكانت محجبة أو غير محجبة، فالأنثى المصرية واقعة تحت أسر استعمار أبوي يحدد خياراتها، ويضعها في قوالب محددة سلفاً، وهذا هو الموضوع الجدير بالنقاش. أما الحجاب وعدمه، وصورتنا الحضارية، فهي تفاصيل تأتي لاحقاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها