السبت 2016/08/13

آخر تحديث: 15:25 (بيروت)

التطبيع المصري: أسئلة لاعب الجودو.. والدراما

السبت 2016/08/13
التطبيع المصري: أسئلة لاعب الجودو.. والدراما
إذا كان من رمزية في المباراة على طبيعة الصراع، فليس أدلّ من عدم تركيز الشهابي وخسارته السهلة(رويترز)
increase حجم الخط decrease
خسر إسلام الشهابي لاعب الجودو المصري إذن أمام اللاعب الإسرائيلي في أولمبياد ريو دي جانيرو، في مباراة لم تتجاوز 30 ثانية على الساحة، ومباراة كلامية لم تتوقف طوال الأسبوع الماضي. المشهد كان حزيناً ومضحكاً في الوقت نفسه. يقول المعنيّون بلعبة الجودو إن "الوقوع على الظهر" غلطة لا يقع فيها اللاعبون المبتدئون، وأن مبادرة اللاعب الإسرائيلي بلعبة خطرة مثل هذه، ليقينه بأن اللاعب المصري مشتت تماما، وتركيزه على القتال النفسي في ملعب واسع، اسمه التطبيع.
لم يصافح الشهابي زميله بعد انتهاء المباراة، مما جعل النقاش المحصور في المنطقة العربية ينسحب إلى العالم أجمع، حيث لم يروا في عدم المصافحة إلا دلالة رمزية على "عنف العرب" و"سلام الإسرائيلي"، في واحدة من أكثر الترمزيات سخافة وتكرارا عبر العقود الماضية.

"يوفوريا" الكلام عن التطبيع عادت مكثفة بسبب حدثين: الأول موقعة الجودو، والثاني بعد الضجة المثارة حول الممثلين خالد أبو النجا وبسمة المشاركين في المسلسل الأميركي "الطاغية". ما فجّر حكاية المسلسل، هو ما نشرته صفحة "إسرائيل في مصر" في "فايسبوك"، عن أن بسمة تعود إلى الشاشة بمسلسل إسرائيلي. وذلك بسبب أن كاتب المسلسل وصاحب فكرته وأحد منتجيه هو الأميركي من أصل إسرائيلي، جيديون ريف.

اللافت أن الاستقبال العام لـ"تطبيع" بسمة وأبو النجا، مختلف تماما عن استقباله مع الشهابي. في الحالة الفنية، السخط كبير والاتهامات عنيفة. أما في الحالة الرياضية الأولمبية، فالاختلاف كان بين المقاطعة الكلية، أو "النصر" على اعتبار أن اللعبة ترمز للصراع العربي الإسرائيلي. تلا ذلك انقسام ثان حول رفضه المصافحة، وما إذا كان موقفا من التطبيع أو مجرد صناعة لقطة إعلامية تغطي على فداحة الخسارة.

لا يمكن الوقوف بدقة على بداية استخدام كلمة "تطبيع" للتعريف بطبيعة العلاقات العربية – الإسرائيلية. المؤكد أنه مصطلح وُجِد بعد معاهدة كامب ديفيد، في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، بعدما صار تعاون طرفي "الصراع" أمراً معلناً ومكشوفاً توثقه معاهدة بإشراف دولي، خرجت العلاقات من الحرب واللقاءات السرية إلى العلن، وما استتبعها وجود تمثيل سياسي رسمي، بالإضافة إلى ما يُبنى عليها من اتصال اجتماعي وثقافي. 

هنا ظهر المصطلح ليكون معبّراً عن موقف جذري غير قابل للنقاش حول المقاطعة الكلية الكاملة لإسرائيل. والذي هو، بحسب "موقع الحملة الفلسطينية لمناهضة إسرائيل"، المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصاً للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية.

هذا التعريف الإقصائي الجذري، يبدو طوباوياً ومثالياً. والأهم أنه يبدو منزوعاً من أي سياقات سياسية انتصارا لتصور جذري عن "طبيعة الصراع" وفكرة الصراع في حد ذاتها، طالما أن القضية عند التيار القومي العروبي هي قضية مركزية وجزء مهم للأساس الأيديولوجي للخطاب. 

هكذا صارت الانسحابات العربية من المنافسات الدولية الرياضية وغيرها فقرة ثابتة في برنامج الوطنية. وكلما لاحت كلمة إسرائيل في أي حدث دولي، تحولت العيون العربية إلى مراقبة للتلوث التطبيعي وأثره.

بعيداً من المشهد المزدحم بخيالات العروبة، فالتطبيع بالفعل يبدو أمراً واقعاً في مصر على كل المستويات، وليست زيارة وزير الخارجية المصري التي أثارت الأسئلة نفسها بالعصبية نفسها والغضب، بعيدة.


الموقفان الرياضي والفني، يتطلبان بالضرورة عددا من الأسئلة التي تحتاج نقاشاً حقيقياً وفاعلاً وجاداً، بعيداً من ترداد الوهم الذي لا ينكسر عن الصراع وطبيعته وأثره.

كيف يمكن إعادة تعريف التطبيع، مرة أخرى دون حنجوريات فارغة؟ وكيف أثرت الانسحابات العربية من الاجتماعات الدولية السياسية والرياضية وغيرها في موقف الصراع؟ وهل إذا ما انتصر اللاعب المصري على الإسرائيلي، كان الاستقبال ليكون مختلفاً؟ وبالنسبة للممثلين: هل عليهم أن يتأكدوا من نقاوة الأعمال التي يشاركون فيها من أي أثر إسرائيلي؟ هل عليهم القيام بمجهود إضافي للتحقيق وراء كل مشارك بالعمل وراء الكاميرا أو أمامها؟

لا يبدو أن أحداً يملك إجابات واقعية وعقلانية على الأسئلة. وبالتأكيد أن الموقفين الجذريين، بقبول التطبيع كاملا، كما في موقف الكاتب المصري الراحل علي سالم، أو العراقي نجم والي، أو برفضه كاملاً، إلا علاقة طفولية مع واحد من أكثر العلاقات تعقيدا في التاريخ الحديث.

ترددت أقاويل كثيرة عن عزم لاعب الجودو المصري، الانسحاب، لولا بعض الضغوط السياسية. النتيجة النهائية أن الشهابي دخل المباراة بعين على الملعب وعين على أثر اللعبة خارجها. وإذا كان من رمزية في المباراة على طبيعة الصراع، فليس أدلّ من عدم تركيزه وخسارته السهلة. لا المصافحة والمقاطعة. 
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها