الخميس 2016/04/28

آخر تحديث: 18:51 (بيروت)

مراسلو النظام: سباق الـ"صورة" بين الجثث

الخميس 2016/04/28
مراسلو النظام: سباق الـ"صورة" بين الجثث
increase حجم الخط decrease
لن تتأثر مهنية مراسلة قناة "سما" الموالية في حلب كنانة علوش، بالصور التي التقطتها أمس بين جثث مقاتلي المعارضة. فهي بَنَت شهرتها الهشة على الصور الاستفزازية، لا التقارير الإعلامية المميزة، وتشكل حالتها مجرد مثال آخر على السياقات الدعائية البشعة ضمن مسار الحرب السورية.

علوش الساعية بصورتها إلى كسب شهرة وحظوة أكبر لدى جمهور الموالين ودوائر صنع القرار لدى النظام، تحاول توجيه ضربة لمنافسيها من مراسلي الإعلام الرسمي المشهورين بالتقاط الصور المستفزة، وتحديداً مراسل "الفضائية السورية" في حلب شادي حلوة الذي التقط صوراً مماثلة في السابق مع أسرى وبين الجثث وفي دبابة تابعة للنظام.

يبدو أن علوش تقلد غريمها حلوة بإتقان، فنراها مثله بين الجثث خلال تقرير لها في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وفي دبابة قرب الحدود التركية أيضاً، علماً أن الإثنين تجمعهما علاقة متوترة بعد اعتداء حلوة عليها بالضرب عام 2013 في أحد شوارع حلب.

إشهار الجثث كان دائم الحضور على الشاشات التابعة للنظام منذ 2011، وفي الصفحات الموالية عبر السوشيال ميديا. وهو توجه يدعم به الإعلام الرسمي أقوال النظام السياسية كبرهان على مرور جنوده من منطقة جغرافية ما. فنشر الصورة يوحي تلقائياً بوجود "مساحة آمنة" لالتقاطها، ويتعزز ذلك بالابتسامات العريضة والماكياج الكامل للإيحاء بالأمان ضمن مناطق الاشتباك المنتهي للتو!

من أبرز الأمثلة على ذلك، التقرير المخيف الذي أعدته ميشلين عازر، مراسلة قناة "دنيا" الموالية عام 2012، بين جثث الأطفال في داريا عندما سألت طفلة ناجية بصفاقة: "خفتي شي؟"، أو صوراً لا تحوي جثثاً بقدر ما تظهر مشاركة أصحابها في القتل ولو مجازياً، كالتي نشرها مراسل التلفزيون السوري في الحسكة فاضل حماد وهو يحمل ساطوراً على الطريقة الداعشية، أو صورة مراسله الآخر في حلب أوس الحسن وهو يساعد بإلقاء برميل متفجر من طائرة حربية.

المايكروفون الإعلامي يحضر في جميع تلك الصور كما في صورة علوش الأخيرة، فهو السلاح الذي لا يجب إخفاؤه عند "مواكبة أبطال الجيش"، في موازاة رمزية للدور الإعلامي– الدعائي المركب الذي تقوم به المراسلة من التقاطها للصورة بوصفها "إعلامية" و"شخصية اعتبارية" تشهد على "إنجاز نوعي". ومن هذه الصورة الذهنية تحاول المراسلة بث الصدقية في رسالتها الإعلامية المهترئة والمفتقدة للمعلومات. 

تعليقات كثيرة على الصورة كانت غاضبة في مجملها واتخذت شكل الشتائم ضد علوش والنظام السوري والقنوات الإعلامية "الرخيصة"، فيما وصفها البعض بهاشتاغ #سيلفي_الموت ورآها آخرون تماهياً مع بطش النظام لا اكثر، بينما استغرب البعض من عدم استجابة "فايسبوك" لطلبات حذف الصور لكونها مسيئة وتحرض على العنف.

وفي رد "من جنس العمل" على السيلفي، نشر ناشطون معارضون صوراً لا تقل فظاعة لجثث جنود النظام في مناطق متفرقة من البلاد، وانتشرت بالتحديد صورة سيلفي لأحد مقاتلي المعارضة في حندرات في ريف حلب التقطها منتصف نيسان/ أبريل الجاري خلال المعارك الدائرة هناك، ليعود موالون بنشر صور قديمة لجثث مقاتلي المعارضة في دوامة لا نهائية. الفارق هنا أن الصور لا تعود لإعلاميين تحكمهم مواثيق أخلاقية ومهنية عرفاً.

والحال أن الحرب السورية تأخذ في أحد أشكالها سباقاً "للتصوير بين الجثث" من جميع الأطراف. فشاهدنا خلال السنوات السابقة صوراً لمقاتلي تنظيمي "داعش" و"النصرة" مع "جثث النصيريين والروافض"، وصوراً لمقاتلي المعارضة بين جثث "مقاتلي الأسد" وصوراً لإعلاميي النظام بين جثث المدنيين ومقاتلي المعارضة، مع اختلاف الدافع لالتقاط الصورة باختلاف ملتقطها.

وإن كانت صور الجثث تقرأ نفسياً على أنها غنائم إضافية تشبع غريزة الاستمتاع بالقتل وتخفيها ضمن سياق حربي "طبيعي"، إلا أن هدفها الأول هو دعائي للتأكيد على النصر الآتي، حيث يصبح قتل الطرف الآخر تمهيداً لإبادته كلياً شرطاً للأمان المستقبلي (النظام) أو الوصول للحرية المنشودة (فصائل المعارضة) أو إشادة بالنصر الإلهي وتخليص الأرض من الكفار (التنظيمات التكفيرية).

صورة علوش ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في بلد يتسابق فيه كثيرون على القتل بوحشية، ويتسابقون على إشهار القتل وإظهار التشفي والتبجح بالقوة. وهي ليست صورة مؤسفة بقدر ما هي محزنة كشاهد على مستوى العنف الذي بات تصديره للعالم أمراً طبيعياً من دون إحساس باقتراف خطأ ما.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها