الإثنين 2016/04/25

آخر تحديث: 11:22 (بيروت)

مصر: ملاحقة الواقعي والافتراضي

الإثنين 2016/04/25
مصر: ملاحقة الواقعي والافتراضي
increase حجم الخط decrease
هل فقد النظام المصري ما بقي من عقله؟ يتساءل الشباب في ما بينهم في المقاهي "خارج" وسط البلد، بعد حملات القبض العشوائية على الجميع دون تفرقة، وقبل أن تمتد الحملات إلى كل مكان يُعرف أن شباباً بين الثامنة عشرة والثلاثين يجتمعون فيه، في القاهرة وخارجها.

الدعوة إلى تظاهرات الخامس والعشرين من الشهر الجاري الموافق لعيد تحرير سيناء، حمل رسالة واضحة إلى النظام الذي "فرط" في جزيرتين من الأرض المصرية. العيد يوافق خروج آخر جندي إسرائيلي من طابا بعض مفاوضات خاضها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك لاسترداد هذه "الكيلومترات" المتبقية من الأرض. اختيار اليوم بما فيه من "مزايدة وطنية" على نظام مارس هذه المزايدة لثلاث سنوات أثار جنونه الكامل.

تتسرب أخبار في جريدة "الشروق" عن مصدر مجهول ان الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتمع بقيادات أمنية لأنه لا يريد تظاهرات يوم 25 نيسان/ أبريل. وتنفي صفحة الرئاسة الرسمية فورا هذه الأخبار، ثم تعتذر "الشروق". الكلام مؤداه إلى أن "الشروق" لا تجرؤ على نشر مثل هذا الخبر دون مصدر موثوق عظيم الشأن داخل النظام. يحاول البعض تفسير ما يحدث بأنه "صراع بين الأجهزة الأمنية"، المخابرات العامة والداخلية، في عملية ترسيم حدود ونفوذ، ولأن الشجار في الغرف المغلقة لا تظهر منه إلا آثار ناره.

***

يوم الجمعة ينتشر السعار الأمني إلى وسط البلد ومنه إلى أحياء القاهرة، ثم إلى مدن خارجها. الداخلية تلقي القبض على من "يبدو" ثورجياً. الثورة فعل مربك بالنسبة إلى الدولة المتهالكة العجوز، لا جامع للمؤمنين بها من وجهة نظرها إلا "شكل شاب بشعر طويل ومجعد، يطلق لحيته ويحمل شنطة اللابتوب على ظهره". هذه هي المخيلة الدولتية عن "الشاب الثوري". لا تريد هذه الدولة أن تعرف أن شباباً كانوا أطفالاً في 2011 هم القوام الأساسي للتحرك هذه المرة.

شهادات المفرج عنهم من المقبوض عليهم، تتفق في أمور عدة: نظرة إلى الوجوه التي تبرز ثوريتها. تفتيش الهواتف بغرض العثور على ما فيه من شبهة ثورة أو نشاط سياسي أو رغبة في النزول إلى الشارع. محاولة مجنونة لملاحقة الافتراضي، ذلك الذي تسبب في ثورة قبل 5 سنوات وربما يتسبب في قلق سياسي حالي.

مصادرة الهواتف وتفتيشها هو آخر ما تفتقت به العقلية الغارقة في أحلام الستينيات، باعتبارها منشورات افتراضية تدين أصحابها، فكانت النتيجة القبض على المئات دون تمييز. ما زالت الدولة تعتقد أن التظاهر تحركه مجموعة من القيادات "الخفية" التي بدونها لا يتحرك شيء. انتقامية الدولة من علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر ومحمود عادل وإسماعيل الإسكندراني، ثم في الأيام الأخيرة من هيثم محمدين وعبد الرحمن زيدان ومالك عدلي، هو انتقام من "ممثلي" الفعل، لتعذر الانتقام من أصحابه وهم بالملايين. أما وقد داهمت المقاهي فهي تحاول أن تسيطر على هؤلاء الملايين بالتلويح بالقوة، مجرد التلويح المجنون.

مداهمة الهواتف عنوة، هي محاولة للسيطرة على المجال العام الافتراضي، المساحة الوحيدة المتاحة للكلام والسجال والتداول، وهو المساحة التي فشلت الدولة في إطلاق لجانها الإلكترونية للسيطرة على أفكاره، فتحولت إلى نكتة يومية.

***

هناك شيء يحدث على الأرض، عاقل وأقل طوباوية من سابقه في 2011، لا طموحات ثورية كبيرة، بل رغبة في تحريك الراكد السياسي. فيما الصحف القومية والخاصة تحولت إلى نسخة ثانية مما كانت عليه الصحف في 2010 قبيل اندلاع الثورة. أخبار المقبوض عليهم تخرج حذرة منحازة ومقتضبة: "القبض على شباب للاشتباه"، كما في "اليوم السابع" أو "القبض على عدد من المشتبه بهم"، كما في "المصري اليوم". في مثل هذه اللحظات تتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى منشور كبير للوقوف على الأخبار الحقيقية من أصحابها وأصدقائهم.

كأن المشهد يعاد ثانية: شبكات التواصل تغلي وتلاحق أسماء المقبوض عليهم، والصحف والمواقع الإخبارية مشغولة في البيانات الحكومية الرسمية.

أما المشهد الأكبر: الدولة تريد أن تقول إن "الجميع" وتقصد الجميع معرض للاحتجاز بتهمة حيازة هاتف محمول به صورة/ حالة/ عبارة ضد النظام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها