السبت 2016/02/13

آخر تحديث: 12:53 (بيروت)

أطباء مصر يواجهون إعلام الضباع ووزارة الأخطاء الفردية

السبت 2016/02/13
أطباء مصر يواجهون إعلام الضباع ووزارة الأخطاء الفردية
increase حجم الخط decrease
التجني اليومي لعناصر الداخلية المصرية لم يعد أمراً مستغرباً. صار فاكهة يومية في مواقع التواصل الاجتماعي، يقابل بالكثير من الحسرة والغضب والعبارات الحارقة من دون أثر حقيقي على أرض الواقع. الغضب مغلف بيأسٍ بعد الإحكام التام على المجال العام من قبل النظام.

قبل ايام، ووسط شلال المشاعر المكبوتة، دخل أمينا شرطة إلى مستشفى، يطلبان معاملة استثنائية من طبيبي طوارئ، هما من جهاز أمني يقتضي معاملة أعلى. قيّم الطبيب الحالة، فلم يرَ فيها ما يستدعي التدخل السريع. غضب امين الشرطة. كيف يمكن ألا تجاب حاجته فورا، وسلطته تختصر الوقت؟! الانتظار ليس من أبجديات تعامله في الشارع الذي هو ملكه. اعتدى على الطبيب، وسحله ووضع حذاءه على رأسه وقل له "نحن الأسياد وأنت العبيد".

هذا المشهد "الأسود"، حدث في مستشفى المطرية بشمال القاهرة. كان من الممكن أن يكون من مآسينا اليومية التي تمر مثل غيرها، لولا أن الأطباء لديهم نقابة ذات قيادة مستقلة. النقيب الدكتور حسين خيري، والأمين العام الدكتورة منى مينا، قررا تصعيد الجناية بعد تكرارها مرات تالية في مستشفيات بنها والمنصورة وأسيوط من أمناء شرطة، وتواطؤ النظام مع "أياديه القذرة" لتحويل الخطأ على المعتدى عليهم. ولما تصاعد الغضب العام، خرج بيان الداخلية ليقول أن ما حدث هو "خطأ فردي".

وزارة الأخطاء الفردية - الداخلية سابقاً - لم تحاول أن تتصرف بسياسة مع الغضب المتصاعد، بل آثرت أن تمشي في طريق السيادة إلى آخره. فالداخلية التي انشغلت في معركة فيديو الواقيات الذكرية، تتحرك بعدوانية أكبر بعدما صار كل مواطن تهديداً محتملاً. سخرية موقوتة من الممكن أن تنفجر في أي وقت، والسخرية تجرحها كما رأى العالم. أما التحرك الجاد فهو يناقض وجودها، فإذا كان التحرك ضد عناصرها الأكثر فاعلية وفساداً "أمناء الشرطة" فعليها أن تتمسك بثقوب الدولة التي تمر منها دائما.

الشد والجذب على مدار أسبوعين تقريبا، بين نقابة الأطباء التي قررت أن يكون تصعيدها قراراً جماعياً، فأعلنت عن جمعية عمومية لنقابة الأطباء كان موعدها يوم أمس، وبين الدولة بعدتها وعتادها التي قررت أن تشن حرباً عشوائية على الأطباء. ضباعها الإعلامية على الشاشات والصحف والمواقع الإكترونية كانوا على الموعد.

هذه المرة تواجه الدولة "كياناً" تعرف بُنيته ومنظميه وقادته، الاستراتيجية الكلاسيكية في تدمير سمعة الكيان ممثلاً في رموزه، ثم التشكيك في كفاءة الكيان كُلّية. هكذا صار الطبيبان حسين خيري ومنى مينا في مرمى نيران الضباع: مرتضى منصور يطلب إحاطة في مجلس الشعب بتهمة التحريض على الدولة. عزمي مجاهد عبر برنامج "الملف" على شاشة العاصمة المملوكة لصاحب الدجل الطبي سعيد حساسين، يتهم منى مينا بأنها ذات ميول إخوانية. محمد الغيطي عبر برنامجه "صح النوم" يتحدث عن اليد الإخوانية الخفية المحركة لوقفة الأطباء. محمود الكردوسي في عموده بجريدة "الوطن" يصف منى مينا بـ"شمطاء الطب"!

"الأهرام" بدورها تنشر تحقيقين كبيرين في النسخة الورقية والإلكترونية: الأخطاء الطبية، ودعوات لرصد النتائج المترتبة على إهمال الأطباء. ومثلها فعلت "الوطن" و"البوابة". تحقيقات مطولة عن أخطاء الأطباء والكوارث الناتجة عنها. هكذا تحركت الخطة بحذافيرها، الكيان وقادته، البنية ومحركوها.

لكن ما يحدث على الأرض، قوبل بترحاب كبير في مواقع التواصل الاجتماعي. لا تعي الدولة القديمة والنظام المتهالك إلى الآن، أن الإعلام صار مفهوماً أوسع من خيالهم الكلاسيكي المقولب. الإعلام صار لمسة على جهاز محمول لوحي، لا مجرد شاشة تلفزيون أو جريدة تراجع عدد قرائها، ولم تعد ذلك الكيان الهائل المؤثر الستيني النزعة. ألم يقل الرئيس السيسي نفسه أننا نعيش في "أشلاء دولة"؟ ألا يكون إعلامها أشلاء بالضرورة؟

***

أمس، بعد صلاة الجمعة أقيمت الجمعية العمومية، رغم تمترس الدولة وراء صيحات ضباعها ونهشهم في لحوم الأطباء، أقيمت بأعداد تتجاوز العشرة آلاف من الأطباء والمؤيدين لهم، ثاني تجمع كبير في العام الجديد، ومنذ 2013 بعد "الأولتراس". القرارات محددة وواضحة من دون صراخ سياسي، ركزت على الجوانب المهنية وعن حوادث الاعتداء على الأطباء. حجة النظام الخائبة وتهمتها اليتيمة بأن النقابة "إخوان" لم تلق صدى، هذا الغضب ليس ذا طابق سياسي واضح رغم تحركه في إطار السياسة الأوسع.

القنوات التلفزيونية الحكومية والخاصة لا تستطيع أن تغض الطرف عن حدث كبير كهذا، الأطباء ليسوا جماعة "الأولتراس"، "الإرهابية" بحكم محكمة، بل في نقابة ذات مجلس منتخب، أي أنها مؤسسة معلنة، يطالبون بما تنص عليه القوانين لا شيء خارجها، لا دعوات انتقام، ولا برأس أحد، بل إنفاذ فكرة الدولة، وليس أشلاءها.

قناة "سي بي سي" إكسترا، انفردت وحدها بصورة "بيت الحكمة" مقر النقابة، خاوياً تماماً، ما أعاد للأذهان صور التلفزيون المصري أيام الثورة. مواقع التواصل لا تترك التضليل، كل ما يحدث يتم توثيقه. مراسل القناة يعود ويقول في حسابه الخاص في "فايسبوك" أن ما حدث كان خطأ تقنيا لا يد لهم فيه. ما يحدث على الأرض مدعوم بالمجال العام الافتراضي. القناة لا تريد أن تخسر جمهورها. صح التوضيح أو لم يصح، فإن التراجع واع تماما بأن الرأي العام لا يرحم تكرار الأخطاء بهذه الفجاجة.

ثمة ما يحدث على الأرض، منظم ويعرف اتجاهاته. مواقع التواصل الافتراضي تتشبث بهذا المتنفس. تؤيده وتوثقه وترى ثوريته في عدم تلويحه بالشعارات الثورية النوستالجية. الوعي الآن بقيمة ما يحدث كبير، وإذا كان الإعلام يؤدي دوره الدولتي كما رسم له، فالعالم الافتراضي يخلق إعلامه خارجهم. القنوات لم تنقل المشهد، لكن آلاف الهواتف المحمولة وثّقته. المسافة واسعة بين الدولة الأشلاء وإعلامه الضبع، واللحظة التي تسبقه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها