الخميس 2016/02/11

آخر تحديث: 19:07 (بيروت)

متى يحق للإعلامي طرد ضيفه؟

الخميس 2016/02/11
متى يحق للإعلامي طرد ضيفه؟
"الطرد" في العالم العربي يخرج عن اطار اللباقة الاجنبية
increase حجم الخط decrease
لا تشكل حالة طرد الإعلامي فيصل القاسم، لضيفه شيرزاد يزيدي في برنامج "الاتجاه المعاكس" قبل أيام، حدثاً فارقاً بحد ذاتها، وإن كانت سابقة في تاريخ البرنامج الجدلي، فالمشاهد العربي "المسكين" اعتاد رؤية نماذج مشابهة شديدة الرداءة طوال السنوات الماضية.

وكان القاسم قد فقد أعصابه بشكل كبير، وطرد ضيفه يزيدي المدافع عن حزب "الاتحاد الديموقراطي" والمسؤول عن الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا، وهي نقطة اثارت جدلاً واسعاً، دفعت أكراداً للقول انه تعامل بشخصانية مع ضيوف قد يكون يعلم سلفاً كيف ستكون وجهة نظرهم، وبالتالي "فقد الحوار قيمته وغايته من الأساس".

ويطرح هذا الفعل اسئلة من نوع: متى يحق للإعلامي أن يطرد ضيفه؟ ومتى يحق له أن يستفز بشكل شخصي بحت؟ ومتى يحق له أن يعتبر الهواء العام ملكاً له وفق شروطه ومحدداته الخاصة كي يسمح بما يريد سماعه فقط؟

بنظرة سريعة على الإعلام الغربي، قليلاً ما نشاهد حالات مماثلة، حتى أن البحث باللغة الانجليزية في "غوغل" يحيلنا إلى نتائج عن نماذج عربية، يتعجب فيها الغربيون من المهزلة الإعلامية العربية عموماً، وهنا السخرية في أقصى درجاتها!

الفرق الجوهري بين الإعلامين العربي والغربي يكمن في طريقة الحوار وإدارته، وفي ماهية الحوار نفسها، وكيف ينظر كل مجتمع إلى التلفزيون كمساحة عامة.

بطل إحدى الحالات النادرة هو المذيع الأميركي في قناة "فوكس بيزنز" ستيوارت فارني، الذي طلب من ضيفه جوش فوكس مغادرة البرنامج بلباقة شديدة بعدما انتهى ضيفه من قول كل ما لديه: "اخرج من هنا يا بني"، دون انفعالات مجانية ودون استعراض للعضلات أمام الجمهور. ولا تندرج القضية هنا تحت الطرد بشكل كامل أساساً، بل تتعلق أكثر بالوقاحة التي يتحدث بها الضيف طوال الوقت المخصص به وتطاوله على الإعلامي "المخضرم" بوصفه كاذباً، وهو هنا لا يمس الاعلامي كشخص بل كشخص اعتباري كون المصداقية معياراً يحكم جودته في سوق العمل وأمام الجمهور.

الإعلامي الغربي عادة، يعزل نفسه ويترك المجال أمام الضيف للحديث، فيما يختار الجمهور بحرية أن يصدق أي وجهة نظر يريد، بينما الإعلامي العربي يحاول إيصال أفكار محددة وتلقينها للمشاهد مع اعتماد أساليب دعائية سواء في اختيار الضيوف أو توجيه الحوار، ويجب القول أن الطرد ليس قوة يتفاخر بها الإعلامي بقدر ما هي نقيصة وضعف في مهاراته الحوارية.

والحال أن كثيراً من اللغط والاستفزاز يأتي من الضيوف أنفسهم، الذين يتعاملون مع البرامج التلفزيونية بالمنطق ذاته الذي يتعامل به الإعلاميون "الطاردون". فالضيف لا يأتي عادة للحوار بقدر ما يأتي لطرح أفكاره من دون سماع الطرف الآخر. النبرة الهجومية العدائية التي يتعامل بها المتحاورون تلفزيونياً تحوّل البرامج إلى ساحة معركة، ومن هنا يأتي التشنج.

من هذا المنطلق ربما يكون مبرراً للإعلامية عزة مصطفى طرد ضيفها الشيخ السلفي جمال صابر، في برنامج "استوديو البلد" على قناة "صدى البلد" المصرية العام 2012، بعدما تهجم الضيف عليها بشكل شخصي واتهمها بأنها "يهودية" للطعن في مصداقيتها أمام الجمهور "العربي - الإسلامي"، فما كان منها إلا أن رفضت تحويل الحوار السياسي إلى مستوى شخصي وطلبت منه مغادرة الاستوديو.

أبرز الحالات التي يحدث فيها الطرد، تكون في البرامج السياسية، حين يختلف الضيف بشكل حاد مع الإعلامي من ناحية الفكر السياسي. حالة القاسم تندرج في هذا السياق، وأيضاً حالة طرد الإعلامي المصري أحمد موسى لضيفه الشيخ المتشدد عماد رفعت في برنامج "على مسؤوليتي"، وطرد الإعلامي التونسي الياس الغربي لضيفه شاكر الشرفي في برنامج 24/7 على قناة "الحوار" التونسية، بسبب خلاف حاد في الموقف السياسي.

المخيف أن يتجاوز الانفعال قضايا حساسة، كالسياسة خاصة بعد أحداث الربيع العربي، إلى قضايا أقل إثارة للتوتر وأكثر تعلقاً بالتسلية مثل الرياضة، فنلاحظ حالة طرد الإعلامي الرياضي تركي العجمة لضيفه الناقد الرياضي إبراهيم عسيري في برنامج "كورة" على قناة "روتانا خليجية"، والتي رفض فيها المذيع الحوار وفتح المجال للضيف كي يتحدث بحرية، معتبراً البرنامج مساحته الشخصية ويجب احترامها والرضى بقوانينها!

البحث عن الشهرة بأي سبيل هو الذي دفع الإعلامية المصرية ريهام سعيد لطرد ضيفتها د.نهى محمود سالم في حلقة برنامجها "صباح الخير" على قناة "النهار" المصرية التي تناولت الإلحاد، وفيها حاولت سعيد وضع نفسها في إطار البطلة المدافعة عن الدين والمجتمع أمام خطر الملحدين والكفرة! وهي حالة تمثل انحياز الإعلامي ولو شكلياً للفكر المجتمعي المحافظ السائد.

بالعودة إلى حالة فيصل القاسم، تكتسب حالة الطرد أهميتها من كونها تأتي في أحد أكثر البرامج العربية متابعة وأكثرها جدلية بتقديمها نوعاً من الحوار القائم على الجدل والاثارة. وبكل تأكيد لن تكون المرة الأخيرة التي يتابع فيها الجمهور هذه النوع من التهريج الإعلامي، بعدما صار طرد الضيوف على شاشات التلفزيون تخصصاً عربياً رائداً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها