الإثنين 2016/02/01

آخر تحديث: 19:43 (بيروت)

قضية اسلام جاويش: خربشة على "الورقة" بلا ختم إدانة

الإثنين 2016/02/01
قضية اسلام جاويش: خربشة على "الورقة" بلا ختم إدانة
الإعلام الملَقّن ظهر بوجه مكشوف بعد الكشف عن اطلاق سراحه في وسائل اعلامية قبل اطلاقه بالفعل
increase حجم الخط decrease
أخيراً، أُفرج عن رسام الكاريكاتير إسلام جاويش، حوالى الساعة الخامسة مساء اليوم الاثنين. أربع وعشرون ساعة هي كل ما مرّ، وما تحتاجه الحكاية كي تتحول إلى ملحمة، بهاشتاغات يغرد فيها الملايين، وتملأ صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية. تأتي قصة إسلام جاويش بعد أقل من أسبوع على ضجيج فيديو شادي أبو زيد وأحمد مالك، وإن بصخب أقل، لأن الجنون كان أقصر نفساً.

صباح الأحد، بدأ بخبر صغير سرعان ما تحول إلى حديث الساعة في مصر، أنه تم إلقاء القبض على رسام الكاريكاتير إسلام جاويش من مقر عمله في حي مدينة نصر في القاهرة، وتعددت التهم: إدارة صفحة "الورقة" الفيسبوكية من دون ترخيص، حيازة جهاز "راوتر"، نشر رسوم مسيئة للسيسي، حسبما نشرت مواقع الأخبار. وقبل أن تثور مواقع التواصل الاجتماعي، أصدرت الداخلية بياناً رسمياً قالت فيه أن الاتهامات الموجهة ضد إسلام هي "إدارة موقع خاص في شبكة المعلومات الدولية من دون الحصول على تراخيص من هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، ومخالفة قانون حماية حقوق الملكية الفكرية لاستخدام برامج حاسب آلي مقلدة".

الاتهامات "الرسمية" والاتهام الوحيد غير المعلن، وهو "رسوم مسيئة للسيسي"، قوبلا بغضب وسخرية كبيرتين في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن الاهتمام الأكبر اتجه إلى الاتهام غير المعلن، وهو ما قاله "لواء الداخلية" الذي قبض على إسلام جاويش شفاهة، أما اتهام عدم حيازة ترخيص للموقع فهو ما ثبت عدم دقته، لأن الموقع يحمل تصريحاً بتاريخ 2014 حسبما أكد المحامي محمود عثمان لـ"المدن".

مرة أخرى وفي أقل من أسبوع، تمارس الدولة عنفها الشرعي بمعلبات قانونية تستخدمها في مواجهة ظواهر اجتماعية هي بنت الفعل الثوري. جاويش، أو شادي أبو زيد، كلاهما لم يأخذ موقفاً سياسياً صارخاً. لم ينزل إلى الشارع هاتفاً ضد السيسي ونظامه، لكنه استخدم "الصورة" بما تتضمنه من إرباك لباترونات السلطوية القديمة بنسختها البرجوازية الناصرية.

السلطة تعي جيدا أن ميدان الثورة هو الأعمق والأكثر استمرارية والأقوى تأثيرا في السيولة الاجتماعية التي لا تستطيع إحاطتها والسيطرة عليها. العصا في مواجهة الريشة على ما في هذا المجاز من كليشيه، لكنه حقيقة واقع ما زالت الصيرورة الثورية فاعلة فيه اجتماعياً، بما يؤشر على كلاسيكية المواجهة بين الدولة والمجتمع وتاريخانيتها وكليشيهاتها.

تفاصيل "القضية" تقول إنه لا قضية بالفعل، اتهامات المصنفات هي اللعبة القانونية التي تلجأ إليها السلطة عند الحاجة، لتغلق "التاون هاوس" وتداهم مقر دار ميريت في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن الحقيقة هو سد أي ثغرات يمكن أن تتسلل إليها ذكريات الثورية حتى لو كانت لأماكن بعيدة عن الممارسة السياسية المباشرة. الدولة تعي جيدا أن الثورة أكثر اتساعا من حصرها في الاحتجاج السياسي، وهو المربك والمفزع في آن.

مساء أمس، توقع الجميع أن يعرض جاويش على النيابة المسائية كما أعلن وتقرر، لكن تأجل مثوله أمام النيابة حتى صباح اليوم. إذن، لا بد أن يعود إلى قسم الشرطة ليبيت في الحجز هذه الليلة، ما جعل الغضب الافتراضي يصل إلى ذروته.

هذه المرة لم يكتف المحتجون بكتابة التدوينات وإطلاق التغريدات، بل شارك رسامو الكاريكاتير في تظاهرة بصرية كبيرة؛ ما بين مستخدم لرسوم جاويش نفسها في إعادة تمثيل القبض عليه، أو التورط في تهمة الإساءة إلى الذات السيساوية.

صباح اليوم، نُقل جاويش من قسم الشرطة إلى النيابة مرة أخرى ليعرض عليها صباحا، لكن تأخر مثوله أمامها حتى الساعة الرابعة مساء كما صرح المحامي محمود عثمان. اللافت أن خبر الإفراج عن إسلام كان حاضرا في البوابات الإخبارية قبل عرضه على النيابة بساعة أو أكثر، أي قبل أن يعرف محاموه طبيعة الأسئلة التي ستوجه إليه وما سيقرّ في ضمير النيابة لتصدر قرارها بالإفراج أو التمديد. هذه المرة الإعلام الملَقّن يظهر بوجه مكشوف من دون غضاضة، تلقي الأوامر وتنفيذها بصرامة وإن ضرب ما بقي من مهنية مهترئة ملتبسة.

تم الإفراج أخيرا عن إسلام قبل أن تتحول الرعونة الدولتية إلى "قصة" كبيرة، رغم انتشارها السريع ووصولها إلى "نيويورك تايمز". هذه المرة لم تحاول الدولة أن تمعن في رعونتها وتخلق معارك مع الفضاء المفتوح، لكنها في النهاية أوصلت رسالتها بدلاً من المرة، مرات، بأنها ستواجه ظاهرة اجتماعية استفادت من الأدوات الجديدة المكتسبة من الحراك الثوري، حتى لو كان رسم كاريكاتير.

يرسم جاويش على ورقة مسطرة. هامش تعبير على رأي بصري، على خلفية تشبه كشاكيل المدرسة القديمة. هي فكرة صفحة الورقة ببساطة، استخدام اليومي العابر وخطوط بسيطة لسخرية ثقيلة مدوية، وهو ما لا تفهمه الدولة التي تعيش على أطلال الهيبة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها