الأحد 2016/12/18

آخر تحديث: 17:16 (بيروت)

في اليوم العالمي للغة العربية.. نحتفل بخدش حيائها!

الأحد 2016/12/18
في اليوم العالمي للغة العربية.. نحتفل بخدش حيائها!
في حبس أحمد ناجي فائدة في طرح الأسئلة الصحيحة حول اللغة والإعلام والمجتمع
increase حجم الخط decrease
قد يكون أحمد ناجي خارج الحبس لحظة كتابة هذه السطور.
بدا القرار الصادر من محكمة النقض اليوم، بوقف تنفيذ الحكم الواقع على الصحافي والروائي المحبوس أحمد ناجي مفاجئاً تماماً للجميع!

كل تفاصيل القضية منذ بدايتها كانت عبثية للغاية، بدءاً من المواطن الذي زادت ضربات قلبه عندما قرأ فصل الرواية المنشور في "أخبار الأدب" من رواية "استخدام الحياة"، مروراً بوكيل النائب العام الذي رأى في الرواية خطراً وتهديداً للسلم الإجتماعي، أو بحسب تعبير وكيل النائب العام "مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية ولذة زائلة وأجّر عقله وقلمه لتوجه خبيث حمل انتهاكًا لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق والإغراء بالعهر خروجاً على عاطفة الحياء"، وانتهاء بحكم المحكمة التي رأت في كلام وكيل النيابة المليء باللغة المتحفية والالتفاف على القانون والدستور وجاهة لدرجة أن أصدرت حكماً بحبسه عامين. حتى الاستشكالات الثلاثة المرفوضة، تباعاً، قبل قرار اليوم.

لم تبدُ رحلة الكتابة، ومن ثم القضية في بدايتها أنها قد تؤدي إلى هذه النتيجة، وكل ما في مصر يقول إنها في مرحلة جنون وعصاب لم تعد الكلمات قادرة على استيعاب ما فيها، لأن القضية كانت كالتالي: كاتب محبوس لأنه استخدم ألفاظاً موجودة في لغة تستخدم يومياً، ولم يلجأ إلى المجاز؛ كاتب محبوس لأن بطل روايته يشرب الحشيش ويمارس الجنس!

الفرحة بقرار وقف تنفيذ الحكم عن أحمد ناجي، هي فرحة الإفراج عنه. أخيراً سيخرج ويمارس حياته إلى حد كبير. قرار المحكمة اليوم معناه –فقط- وقف تنفيذ العقوبة، لحين الفصل في موضوع الاتهام، وليس إلغاء الحكم، ويترتب على حكم اليوم إخلاء سبيل المتهم.

وقالت ياسمين حسام محامية ناجي، عقب الحكم، إنه "سيتم الإفراج عنه تنفيذًا لحكم اليوم".

لكن هذه الفرحة في حد ذاتها دليل على ما وصلت إليه البلد من تردٍ وصل إلى درجة الغبطة بما لا يصح –ولا يحدث ولم يحدث- في أعتى الأنظمة بطشاً. مع مفارقة أن قرار المحكمة لم يلتفت إلى الرواية نفسها الموجودة ورقياً وإلكترونياً، وزاد تداولها وقراءتها والتعاطي معها بعد القضية.

يخرج ناجي في اليوم العالمي للغة العربية، اليوم الذي صارت فيه ضمن لغات الأمم المتحدة الرسمية، الاحتفال الذي أصبح فرصة مواتية لمحبي اللغة وعلومها وسلامتها وفصاحتها في "البكاء الرسمي" على ما آل إليه حالها.

ناجي مشغول باللغة، لا انشغال المتحفيين اللغويين في إعادة إنتاج جماليات وبلاغة تبدو متهالكة ومتداعية وكوميدية في سياقها الحالي. انشغال ناجي باللغة كان في تحريرها من جمودها وفتح طاقات جديدة منها، بعيداً من الحسابات الاجتماعية والتضييق الأخلاقي الذي لا يجرم الفعل لكنه يكره التصريح به، المفارقة التي لم يتوقف عندها كثيراً وقرر تجاوزها، من دون أن يدور في خلده للحظة أن هذا القرار الفني والجمالي يمكن أن يتحول في لحظة إلى جريمة يجب معاقبته عليها.

خيارات ناجي الراديكالية في اللغة، هي خيارات من يريد أن "يعبّر" لا أن يملا صفحات.. أن يذهب إلى المعنى لا أن يلتف حوله. أما عن البذاءة ففي خياره هذا وجاهة أكبر كثيرا من الالتفاف بالمجاز. لأنه بالمنطق الاجتماعي المتحفظ المحافظ في التصريح بالشيء: تحول كل الكلام إلى إحالة جنسية ما. كل الكلام يحتمل أن يتم تأويله جنسياً مهما كان بريئا ًأو بعيداً عن المعنى الجنسي؛ لأن الجنس أصبح مرتبطاً بالمجاز، فصار المجاز مرتبطاً بالجنس.

في اليوم العالمي للغة، حيث صار ترديها الإعلامي يصل إلى درجة "الدهشة" من عدم وقوع أخطاء لغوية فادحة في المواقع الإخبارية أو القنوات التلفزيونية، نحتفل بخدش حيائها المتوهم. ولعل في حبس ناجي هذا فائدة في طرح الأسئلة الصحيحة حول اللغة والإعلام والمجتمع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها