الأربعاء 2016/12/14

آخر تحديث: 19:17 (بيروت)

ديستوبيا الرؤوس المقطوعة

الأربعاء 2016/12/14
ديستوبيا الرؤوس المقطوعة
increase حجم الخط decrease
إلى أي درجة يمكن أن نتحمل البشاعة؟ 
يبدو أن إجابة هذا السؤال مرهونة بالاعتياد، في راهن سوري شديد البشاعة في حلب. وراهن مصري بعد تفجير الكنيسة المصرية في قلب العاصمة. لكن هذا لم يكن كافياً.

قبل أن تنشر "داعش" بيان تبنّيها للتفجير المصري، معلنة عن قدرتها على اختراق العاصمة والدخول إلى أي مكان تريده؛ نشرت فيديو بعنوان حزّ الرقاب توثق لعملية ذبح 15 بدوياً في سيناء. الفيديو ليس جديداً على "داعش" أو جناحها المصري "أنصار بيت المقدس"، بما هو ترويج لخطابها، ومشابه لما قدمته من مواد بصرية توثق عملياتها في مصر وسوريا والعراق. ليس جديداً بالمرّة. 

غير أن اللعبة الداعشية، لم تقف عند حدود خطابها وآلياتها في الترويج لطريقة تنفيذها لعملياتها. بل صحّ أنها امتدت لتصل إلى شاشة تلفزيون مصرية، وعبر واحد من مذيعيها "الثقات" القريبين من النظام، عمرو أديب. كيف حدث ذلك؟ 

نشر برنامج كل يوم على شاشة "أون تي في"، تقريراً، من داخل المعمل الجنائي، عرض فيه عمرو أديب رأس الإرهابي منفذ العملية بعد تجميعها.. نعم! رأس الإرهابي نفسه، لا مجسداً مشابها لها، ولا رسماً محاكياً لنتيجتها النهائية. الرأس نفسه بما بقي من شحمه ولحمه. لكنه نوه قبل بداية التقرير البشع بأن "الفقرة تحتوي على مشاهد مزعجة". هذه هي الصيغة التي خرجت من فريق إعداد البرنامج. "مزعجة".

وما إن بُثت الفقرة على الهواء، حتى زلزل البلد، لأسباب وجيهة: أهمها أن هذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها الشاشات المصرية شيئاً مشابهاً، أي رأس مقطوعة لجثة ميت، ويكفي أن نذكر ما أحدثه عرض صورة وجه خالد سعيد بعد تعذيبه وضربه، على الشارع المصري في بدايات 2011. هذه بشاعة غير مسبوقة حتى بالنسبة للإعلام الرسمي. 

ثانياً أن هذا الإجراء فيه مخالفة قانونية كبيرة لأن المعمل الجنائي ليس مكاناً يجب أن يتورط فيه الإعلام، أو أن يتورط مع الإعلام، لأنه جهة فنية ذات حساسية كبيرة تحسم قضايا. يجب ألا تتعرض لشيء يمكن أن يحمل شبهة تأثير في قراراتها وحكمها. وبذلك تكون المرة الأولى أيضاً التي يصير المعمل الجنائي فيها بطلاً لتقرير تلفزيوني في قضية حساسة كهذه. 

ما مقدار البشاعة التي يستطيع النظام ترويجها لكي يثبت صدقية معلوماته؟
ما يتردد بعد حلقة أديب، أن السيسي عندما ذكر الاسم الرباعي للمفجّر، علناً على الهواء، تحولت كل المؤسسات والخدمات إلى فكرة واحدة، وهي إثبات مصداقية ما قاله السيسي، حتى لا تترك فرصة للمشككين. علماً أن ما يعلنه الرئيس في حوادث مشابهة، هو ناتج عن معلومات أمنية مؤكدة، ويفترض ألا يحمل أي شكّ.

المشكلة في أتباع النظام من الإعلاميين الذين يذهبون الى هذا القدر من الاساءة، بعد ثلاث سنوات من المرارات والخيبات والهزائم المعنوية والبطش اللامحدود. لذلك يجتهدون ربما في اعطاء برهان لما قدمه من نتيجة سريعة في حادث التفجير. فكان أن تورطوا في اللعبة الداعشية بأبجدياتها نفسها. 

القانون لا ينزع إلى الحماية فقط؛ بل يهدف إلى الانتقام من المتطاولين على سلطانه. العلنية في إذلال الجسد، ضرورتها هنا إعادة إقرار السيادة بعد جرحها لحظة. رغم أنها لا تعيد الدولة –كمفهوم- إلى موقعها، بقدر ما تنفي فكرة وجودها. بثت الرعب في نفوس جمهور يتابع البرهان العلني على اعتبار أن العلنيّة نوع من الشفافية؛ لأنها قد تكون فقدت منطق وجودها في الدولة كمركز للحداثة، وارتدّت إلى شكل عصابي بدائي، ومن ثم يتحقّق الرّدع العام مع إثبات كلام رئيسها.

ويظل الأمرالأكثر رعباً من عرض الرأس نفسه، هو مقدار ما نستطيع استيعابه من أشلاء، ومقدار ما في وسعنا تجاوزه، وهو نعمة ونقمة في آن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها