الثلاثاء 2016/11/01

آخر تحديث: 19:53 (بيروت)

فدوى سليمان.. والفيديو الذي أضحك وأبكى

الثلاثاء 2016/11/01
فدوى سليمان.. والفيديو الذي أضحك وأبكى
increase حجم الخط decrease
خمس سنوات كاملة احتاجتها حركة "نسكن" المعارضة، المجهولة لمعظم السوريين، كي تطلق بيانها التأسيسي الأول، والذي قرأته الممثلة السورية فدوى سليمان، المؤسسة للحركة، عبر مقطع فيديو نشرته صفحة الحركة الرسمية في "فايسبوك" الأحد.


المفاجئ ليس البيان في حد ذاته، بل الغرابة الشديدة التي غلبت على مضمونه، حيث يبتعد البيان كنص عن الواقع إلى حد كبير، فضلاً عن الصورة البصرية الفوضوية التي ظهرت بها سليمان جالسة مع شاب غريب مجهول، صامت طوال الوقت، ويرتدي شروالاً برتقالياً وكأنه خارج من أحد مسلسلات البيئة الشامية، فضلاً عن الخلفية الموسيقية التي تغني فيها فيروز "أحب دمشق"، لتقرأ سليمان البيان وكأنه بيان عسكري رسمي تبثه إذاعة في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي.

الجو ككل كان مسرحياً للأسف، وحتى الأفكار المهمة التي تحدثت عنها سليمان بجدية مفرطة تحولت إلى أفكار هزلية نتيجة لذلك، لدرجة يظن المشاهد للوهلة الأولى أنه أمام مشهد تمثيلي ساخر ببراعة، من القوى السياسية الثورية المعارضة التي تفشل في تقديم رؤى سياسية جدية وواقعية وقابلة للتطبيق على أرض الواقع، بدلاً من الشعارات والميل للطوباوية، وربما يكون السبب في ذلك هو الخلفية المسرحية التي تجعل من سليمان ممثلة قديرة.



وتعددت مبادئ البيان بين "تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من الاحتلال الأسدي الإيراني الروسي" إلى "الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واستقلالها" وصولاً إلى "ضبط الحدود السورية لمنع المقاتلين الأجانب من الدخول إلى سوريا واستخدامها ملعباً لمشاريع وصراعات لا تمت للسوريين بصلة" و"البدء بعملية عدالة انتقالية ومصالحة وطنية حقيقية تحاسب مجرمي الحرب"، أما أكثر المبادئ سوريالية فكان "تحرير السياسة العالمية من هيمنة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وإسقاط نظام الفيتو".

لتحقيق هذه الأهداف أورد البيان "خطة عمل" طويلة تضم نقاطاً مثل "إنشاء هيئة ثقافية من السوريين الأحرار تعبّر عن الثورة السورية وتشرف على إنشاء شبكة الدعم المجتمعي لخلق وعي جديد في المنطقة"، أو "فك ارتباط الداخل السوري عن العملة السورية وخلق عملة بديلة لا تخضع لصندوق النقد الدولي" وأيضاً "إيجاد بدائل للطاقة عن طريق مشاريع لتسخير الطاقة الحرة في الداخل السوري تُرعى من دول العالم، لخلق نظام بيئي جديد يخدم السوريين والعالم"!

البيان لاقى استهجاناً كبيراً من المعلقين، ربما لأنه يبتعد عن الواقع ويكرس صورة سلبية لمثقفي الثورة ونخبها الفنية، رغم أهمية موقفهم الإنساني والسياسي المناصر للشعب السوري، بشكل يعطي انطباعاً بأن الثورة فشلت في تقديم نخب حقيقية تكوّن نماذج إيجابية "محافظة" ومقبولة على المستوى الاجتماعي، بدلاً من نماذج الفوضوية والأناركية والطوباوية التي يظهر بها المثقفون المعارضون من حين إلى آخر.

الانتقادات تكررت من ناشطين سوريين، على مقطع الفيديو، لكن رد الصفحة المعنية كان بحظر أصحاب التعليقات السلبية مع تحذير لبقية المعلقين بحظرهم أيضاً، لتتحول التعليقات إلى الكلام عن أن هذا النوع من التصرفات "المتشنجة" لا يمثل الحرية التي خرج من أجلها السوريون إلى الشوارع وتحدوا قوات النظام الأمنية طوال سنوات، بل تبدو أقرب لتصرفات النظام نفسه، ومن السخيف أن يمتلك أشد المطالبين بالتغيير الديموقراطي هذه الطريقة الديكتاتورية في التعامل مع الآراء النقدية!

وعلى الأغلب، فإن حدة التعليقات السلبية ضد الفيديو كانت نتيجة لتجاوز السوريين حسن النية المفروغ منه لدى الحركة ككل، والملل العام من طول أمد الأزمة السورية، والضيق من الشعارات التي لا تنتهي مقابل قلة الخيارات على الأرض بالنسبة للأفراد في حياتهم اليومية، وحتى قلة الخيارات في ما يخص الأزمة السورية التي باتت أقرب لحرب أهلية.

في ضوء ذلك، لا يحمل الفيديو أكثر من اليأس والحزن العميقين، وربما لا يستحق توجه أصحابه إلى الطوباوية أو حدّة الرأي بهذه الطريقة، وتوجيه اللوم القاسي، إذ تبقى سليمان (46 عاماً) رمزاً من رموز الثورة وواحدة من أبرز الأسماء التي تشجعت ضد النظام وقادت المظاهرات السلمية ضده في حمص قبل أن تجبر على الرحيل إلى فرنسا العام 2012، لتظهر في هذا الفيديو مثقلة بالعجز الذي يغلب مثقفي الثورة الأوائل، والذين لم يحملوا أي سلاح ودعوا منذ اليوم الأول للحرية والمدنية وإنهاء العنف، وهي بالنهاية أفضل بكثير من فناني النظام الذين حملوا السلاح وقاتلوا في صفوف الميليشات أو دافعوا بكلماتهم عن المجازر بحق المدنيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها