إيزيديو العراق.. الشرف ليس ذكورياً

سنة كاملة مرت على ما يشبه الإبادة التي تعرض لها الشعب الايزيدي في العراق. انها "الابادة رقم 73". بهذه الجمل يبدأ فيلم نبيلة غصين الوثائقي "إيزيديو العراق.. الإبادة رقم 73"، عن أحداث سنجار في آب/أغسطس 2014، وما تلتها من مآسٍ لا تزال ماثلة حتى وقتنا الحالي، والذي عرض في "مترو المدينة" بالتنسيق مع "نادي لكل الناس". غصين التي أصبحت أول صحافية لبنانية تجتاز خطوط الحرب التي أعلنها داعش وتصل الى جبل سنجار، تحاول في فيلمها اعادة ربط التواصل بين الشعب المنكوب وباقي العالم.

في لحظاته الأولى، يلقي الفيلم بالمشاهد في اعماق عقل وقلب المخرجة. هناك يستطيع ان يرى دوافعها الفردية لهذه العمل. صوت فيان دخيل، النائبة العراقية الايزيدية، وهي تصرخ في البرلمان العراقي طالبة النجدة لشعبها الذي يباد مرة اخرى، قبل ان تهوي على الارض. كان ذلك البداية، بحسب غصين. وكما كان هذا السقوط المدوي مشاعريا هو الدافع لها، كان بخاصيته يشد الحضور نحو الفيلم.

في مكان اخر، تعكس الأحاديث التي تنقلها غصين، ليس فقط معاناة من داعش واجرامها، بل حتى من المساعدات. للوهلة الأولى، يعكس المشهد مفاجأة لم تعرضها افلاماً سابقة عن الازمة. يسرد ناج من على كرسيه المدولب قصته. هو لم يتعرض للاذى بسبب داعش، هرب من بطشهم ولاقى مصيره بينما كان نائما، شلل أبدي ألمّ به، الى جانب زوجته المتوفاة بسبب طن مياه ألقته احدى الطائرات للمساعدة.

بعيداً عن الرجل، يعود تسليط الضوء على المصيبة الأكبر. الاف النساء السبايا، ومثلهن من تعرض للاغتصاب كما القتل. لا تخفي غصين صعوبة اقناع الناجيات بالحديث عن تجاربهن، ولكنها تنجح اخيرا بذلك، ليظهر هول الجريمة، والمتاجرة بهن، فقط لأنهن لم يقبلون الاسلام ديناً.

في مقلب مغاير، يتحدث احد المرافقين خلال الرحلة عن اسباب هجوم داعش من منظوره الشخصي، وبالطبع تأتي تهمة الكفر أولا، ومن ثم العقاب على مساعدتهم وايوائهم للتركمان الشيعة الهاربين من تلعفر قبل شهر من احداث سنجار. النافذة السياسية التي تسترق منها غصين النظر، لجهة التأكيد ان العراق يوحدهم، حتى باختلاف المعتقدات وتضاربها في مرات بين الايزيدية والاسلام. وتستكمل العرض الرسائلي، لتشمل مقاربة غير مباشرة بينهم وبين الاقليات الموجودة في العالم العربي. فالرسالة كانت شبه واضحة، ليس الفرق بالدين، بل انه التفكير باتجاه الاقليات.

عدة خطوط عريضة رسمتها غصين في توثيقها تخطت بها الكلاسيكية المعتادة في نقل المعاناة الانسانية للحروب. فبين مشهد وآخر، بين حزن امرأة ورجل كهل على النساء المختطفات من قبل داعش، وعنفوان مقاتلة كردية آتية من العراق لتحرريهم، ادخلت المخرجة مفهوما جديدا للشرف خاليا بوفاضه من الذكورية المعتادة.

ليس الشرف ذكورياً بمضمونه. فالنساء المقاتلات دفاعاً عن شرف الايزيديات، هن أنفسهن تخلّينَ عن نمطية حياة المرأة في العالم العربي. تخلّينَ عن الزواج ليس لأجل القتال فحسب بل لمعارضتهن التسلط الذكوري التقليدي المتمثل بالزواج.

بعيدا عن الفيلم وتصوراته، لم يرتق الحوار الذي تلاه في صالة مترو المدنية الى القيمة المرجوة. انحرف النقاش الذي كان مقررا ان يكون مع المخرجة الى نقاش سياسي، ابتدأه احد المشاهدين بالكلام عن اهمية حزب الله ومشاركته في الحرب السورية لضمان عدم الوصول لمرحلة "تسبى فيه نساؤنا، ونقتل" على حد قوله، "مثل ما حصل في سنجار". الأمر الذي استدعى رد احدهم ليتطور الأمر الى نقاش يفسد على البقية فرصة الحوار المفيد، بينما لم تنجر المخرجة الى الرد السياسي على السؤال.

لم يمنع ذلك، سؤال احداهن عن سبب عدم عرض الفيلم على الشاشات اللبنانية، وخاصة لما يحتويه من معلومات وتوثيق مهم. غصين شرحت بعد ذلك ان الفيلم لم يعرض لأنه "ما بجيب رايتينغ (مشاهدة)"، حسب قولها، وان بعض القنوات حاولت الوصول الى حل يقتضي بتقطيعه على أجزاء وهو ما تم رفضه من قبل غصين.

يخلق الفيلم نوعاً من التصور بالانتفاضة، او الغضب على الواقع، على الأحوال التي قد يمكن ان يصل اليها شعب اراد فقط ان يعيش بسلام. لم يكن هذا بمعنى الكليشيهات المعتادة، لا بالعطس كان هو الأدق توصيفاً.

انها الإبادة الثالثة والسبعون. يلمع الرقم عندما يوضع في الخانة نفسها مع المبادئ والتاريخ الايزيدي، الذي يدعو لنبذ العنف. هو السؤال الذي تسأله غصين في نهاية الفيلم، هل يمكن ان يتحول السلمي إلى عنيف بعد كل هذه الهجمات؟