الإثنين 2015/07/06

آخر تحديث: 19:00 (بيروت)

دراما رمضان البوليسية: السوريات العنيفات!

الإثنين 2015/07/06
increase حجم الخط decrease
ثلاثة أعمال اجتماعية معاصرة من بطولة نسائية محضة، تطرحها الدراما السورية هذا الموسم. وإذا كانت تختلف في مستوياتها ومحاكاتها للأحداث في سوريا، إلا أنها تشترك جميعاً في عنصر "التشويق البوليسي - النفسي" مع تفاوت في جرعة الدراما المطلوبة.

أولى هذه الأعمال، وربما أبرزها، هو "امرأة من رماد" للكاتب جورج عربجي والمخرج نجدة أنزور، وبطولة النجمة سوزان نجم الدين التي تعود للدراما السورية بعد غياب سنوات من العمل في مصر، مقدماً نماذج درامية جديدة في خط تشويقي متصاعد.

تلعب نجم الدين ببراعة شخصية "جهاد" المرأة المضطربة نفسياً بعد انفجار إرهابي أدى لمقتل ابنها وفقدانها جنينها وقدرتها على الإنجاب، لتتحول إلى وحش بشري شديد التسلط لتحقيق أهدافه. فنراها تتلاعب بحياة الآخرين في ثنائية من العنف والندم، ولا تدري هي نفسها متى تتحول إلى شخصية شريرة تختلق الأكاذيب، خصوصاً أن المقربين منها يحومون حولها لغايات مادية نتيجة للثروة التي تملكها باعتبارها صاحبة معامل ناجحة. وتجسد "جهاد" في المجمل صورة الأم السورية المفجوعة التي لا تتنازل عن مبادئها وتقوم بإيذاء كل من حوله بهدف نجاتها، حتى لو شمل ذلك زوجها المحامي الخائن.

البيئة النفسية الغنية التي يطرحها "امرأة من رماد" وتمركزها حول شخصية واحدة فقط، يجعل من العمل شديد الجاذبية، إضافة الى الجوانب العاطفية التي تشكل ظلالاً بعيدة للقصة، خاصة أن جهاد لا تدري أن ابنها على قيد الحياة عند عائلة أخرى، ومن هنا يأتي التشويق الأكبر في المسلسل.

تسييس العمل بشدة وانحيازه المطلق لرؤية النظام السوري لما يجري في سوريا، يجعله يفقد كثيراً من قيمته الفنية. وحتى محاولاته لعرض نماذج من المعارضين الدمشقيين تبدو مشوهة (زيناتي قدسية)، بينما المؤيدون هم أكثر انفتاحاً على التصالح والحوار (نجاح سفكوني). كما أن "الوطن جهاد" تقع في غرام ضابط الأمن السوري المصاب في المشفى عمران (سعد مينا)، ويتم تسويق عبارات النظام وجدوى الحل الأمني ضد الإرهاب دون ملل. وقد لا يكون ذلك مشكلة بحد ذاته مع وجود إنتاجات معارضة بحتة من ناحية الخطاب السياسي (وجوه وأماكن) ما يحدث توازناً في السوق الدرامي رغم أنه يزيد من تشتت صناع الدراما عن بعضهم البعض.

في المقابل، لا يتطرق مسلسل "في ظروف غامضة" للأحداث في سوريا، بل يتجه السيناريست فادي قوشقجي والمخرج المثنى صبح إلى سنوات ما قبل 2011 في قصة بوليسية - عاطفية بحتة من بطولة الفنانة نسرين طافش (دارين) التي تبحث عن حقيقة قتل أخيها عاطف لكل أسرتها، ثم انتحاره، دون معرفة الأسباب، عملاً أنها تكون الناجية الوحيدة.

يتمحور العمل حول دارين وذكرياتها ومحاولاتها للوصول إلى الحقيقة. ويزخر بكثير من القفزات الزمنية الضبابية التي ينبغي على المشاهد المسكين متابعة تفاصيلها في ذهنه وهي مهمة مرهقة. كما أن تشتت العمل نحو شخصيات كثيرة تعرف جوانب خفية من القصة ولا تبوح بها رغم مرور أكثر من نصف العمل، يبدو مخيباً للآمال (فاتن - مديحة كنيفاتي، ليث - جلال شموط، ..) ليغرق العمل في التكرار حول حوادث لا تشكل أهمية بحد ذاتها.

يبدو الإخراج باهتاً. فإضافة شريطين زرقاوين على الشاشة في مشاهد الذكريات، هو خيار سيء للغاية، وقد لا يوازيه سوءاً سوى الكاميرا شديدة الاهتزاز والحركة، وهي خاصيّة بصرية تبدو غير مناسبة للأجواء، نظراً للبطء الكبير في التمثيل والحوارات من جانب طافش. كما أن الملابس وقصات الشعر، لا تتغير مطلقاً رغم القفزات الزمنية التي تبلغ خمس سنوات أحياناً.

أما الفخامة في الديكورات والأزياء على طريقة الدراما التركية فتعطي جانباً جمالياً للصورة وإن كانت تميل الى المبالغة، خصوصاً عند المقارنة بين بيوت شخصيات تعيش في حي واحد (ميلاد يوسف)، مع الإشادة بأداء بعض الممثلين في العمل كنادين خوري ولينا حوارنة رغم مساحة أدوارهم المحدودة.

القصة البوليسية تبدو أكثر غنىً وتشويقاً في مسلسل "شهر زمان" (نص وإخراج زهير قنوع)، حيث تهرب بطلته الصحافية جوري (ديمة قندلفت) من أهلها وزوجها مع لابتوب ثمين يحوي معلومات تدين زوجها بتجارة الأسلحة والدم والبشر والموت في سوريا، وتبدأ رحلة المطاردة لها خلال شهر من الزمن.

يحاول المسلسل تقديم طرح مبتكر في الدراما العربية ."real time drama" فكل حلقة من العمل تعادل يوماً من حياة الشخصيات. ولتحقيق هذه الغاية وملء الفراغ في العمل، يتم اللجوء للذكريات البعيدة وخلق قصص عاطفية بين جوري والرجال في حياتها بين أحباب وأزواج سابقين (عباس النوري، خالد القيش، سعد مينا، وائل رمضان)، ولخلق صلات عاطفية بين المشاهد وجوري الباردة النمطية يتم إضافة مرض عضال نادر إليها لنراها تصارع المرض والقدر والإرهاب والرجال الفاسدين في آن واحد.

يبدو الجميع في العمل، ضحية للإرهاب البعيد الذي لا نراه. هو شهر واحد يلخص النتيجة الإنسانية في سوريا من منطلق الأكشن - لا الإنسانية. وربما تكون شخصية محاسن التي تجسدها القديرة سمر سامي أبرز شخصيات العمل الثانوية، فهي أم لعائلة مهجرة ينتابها الحنين من حياتها السابقة وتشكل الجانب المحافظ في الحياة الأسرية الحالية وتبدو من الناحية النفسية - الإنسانية مثيرة للاهتمام أكثر من الشخصيات الأخرى مع بعدها عن المحور البوليسي المفتعل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها