الثلاثاء 2015/01/27

آخر تحديث: 17:41 (بيروت)

شاشات الشتيمة.. يا محامين!

الثلاثاء 2015/01/27
شاشات الشتيمة.. يا محامين!
increase حجم الخط decrease

ربما عهد المشاهد اللبناني ان تكون حروب الـ"توك شو" مقتصرة على سياسيي البلد. "كار" التشويق الذي يغري شاشات التلفزة ويرفع نسب المشاهدة مرّ أمس على المحامين. صراخ أحادي الجانب تكفلت المحامية بشرى الخليل بإطلاقه بشكل بدائي، وهي تقول بفم قاس: "سدّ بوزك".

بدت المحامية "الممانعة" رأس حربة لنظام بشار الأسد وأعوانه، فيما راح زميلها المنتمي الى "المستقبل"، يدافع عن رأيه السياسي، في وقت من المفترض أن الاثنين يعملان على قضايا الناس وحقوقهم. تبادلا صفة "الرقاصة" بينهما. حتى كاد المشاهد يغشى عليه من الضحك (المرير) وهو يسمع "أمك رقاصة"، من امرأة اولاً، وحقوقية أولاً وثانياً... ولو تضمنت سيرتها الذاتية أنها دافعت يوماً عن صدام حسين.

كاد شَعر بشرى الخليل، المصفف واللامع بلون أشقر حاد، أن يقع من شدّة الصراخ، وهي تفتح فمها وتخبط بقلمها على الطاولة الزجاجية وتصب جام غضبها على الهواء مباشرة، بانفعال أظهر هشاشة ما وصلنا اليه من تشرذم وتلط وراء الموقف السياسي، مهما كانت صوابيته من جهة أو انحطاطه من جهة أخرى وبغض النظر عن صاحبه/صاحبته، على حساب العمل النقابي والمهني. وهذا ما تختص به برامج الشاشات اللبنانية، فيبدوا ضيوفها على صورتها.


المشكلة ليست في ان يقدم طوني خليفة مادة "دسمة" من هذا النوع، في برنامج مسائي مشاهداته عالية، خصوصاً انه جاء في وقت عرض فيه جو معلوف - على غير عادة! - حلقة ناجحة. لكن المشكلة تكمن في عرض الشاشة هزال انقسامنا السياسي بشتائمه وسقطاته الأخلاقية والجندرية والحقوقية، فلا يعود الرقص فناً بل سُباباً توجّهه امرأة.. لنساء! لزوجات شهداء أو منتخبات للبرلمان. وبدت الفقرة "بروفة" حصرية للشتائم. صورة عن الـ"توك شو" الذي يخصنا: غاضب وعارم بالانقسام ولا حوار فيه، بل لا مجال لاستماع ضيف لآخر، قبل أن يردّ عليه (بالحجّة بدلاً من الشتيمة).. وليس أي ضيوف، بل محامية ومحامٍ! والشاهد قديم – جديد، وعلى الشاشة نفسها، حين رمى سياسي ممانع سياسياً "آذارياً" بكوب ماء، قبل أن يتعاركا بالأيدي.

الـ"توك شو" في عملانيته اللبنانية، تقديم مؤطر للذمّ، وحوار الطرشان مكرر. والمذيع يصبح "شوشرة"، كما في لغة الاعلام، يضيف صوته فحسب. يساهم ربما في تأجيج الوجوه الغاضبة، حتى إن وضعنا الشاشة على "الصامت" لرأينا "الأكشن" صافياً داخل استديو.

من المفترض أن بشرى الخليل، وزميلها منير الحسيني، يعملان في الشأن الحقوقي والدفاع عن هموم الناس، وليسا منتدبين للخطاب الإيديولوجي الذي ينتميان إليه، على الأقل ليس في هذه الحلقة، وقطعاً ليس بهذا الشكل. سبب الأزمة سياسي، نعم. لكن المعالجة اللاحقة كان يفترض بها أن تتسع لمزيد من الديموقراطية، ولو ظلّ النقاش سياسياً. ديموقراطية يا محامين! 

العرض "الهزلي"، أمس، استعاد لنا الحادثة الأصل. وفد لبناني لم يذهب بصفته الحقوقية الى القاهرة. راح وعبّر عن انقساماته اتجاه الأزمة السورية/اللبنانية. صفقت الخليل للأسد وجيشه وانتقدت الوفد الذي طارت معه الى "أم الدنيا"، قائلة بأن آل الأسد يمثلون قوميتها العربية ويدافعون عن خط المقاومة، بينما زملاؤها يمثلون "الخط الصهيوني". وهؤلاء راحوا بصفتهم السياسية أيضاً التي ينتمون اليها. قالت إن لو أحداً انتقد الجيش اللبناني ستحكم قبضتها على خنّاقه باعتبارها "وطنية".. في حين أن "النخبة"، والحقوقية بالذات، يفترض أن تعرف ان الوطن منظومة أوسع بكثير، وأن النقد من داخلها، والدفاع بالحجج لا بالأيدي، هما الوطنية. في حين أن الشاشة التي ظهر عليها الحسيني والخليل، لم تؤدّ وظيفتها بضبط الخطاب بهذا المعنى، لصالح المواطن وعقله.. بل استسهلت النميمة صراخاً كجاذب "مثير" للمشاهدات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها