الثلاثاء 2014/09/16

آخر تحديث: 15:41 (بيروت)

الإبراشي وعلي: اختبار الحرية على هامش "مذبحة رفح 2"

الثلاثاء 2014/09/16
الإبراشي وعلي: اختبار الحرية على هامش "مذبحة رفح 2"
وائل الابراشي
increase حجم الخط decrease

دموية الحدث لا تغني عن النبش وراءه، بل هي بالضرورة تودي إلى ذلك. لكن الحدود الفاصلة بين الحرية والتجني تتوه أحياناً، خصوصاً مع مشهد سياسي تغيب فيه الحدود وينخفض سقف الحرية معه إلى حد الإطباق على الأنفاس. وتصير الأحكام أكثر التباساً إذا ما خاض هذه الحدود إعلامي لا يتسم بأي مصداقية من مشاهديه، ليكون اختبار الحرية هو الأصعب، والتساؤلات حوله أكثر تعقيداً.. هذا هو مفاد ما حدث مع الإعلاميين عبد الرحيم علي ووائل الإبراشي.

بدأت القصة في 19 آب/أغسطس 2013، ما سُمّيَ بعد ذلك "مذبحة رفح الثانية" وهي العملية الإرهابية التي أسفرت عن استشهاد 25 جندياً من الأمن المركزي وإصابة اثنين آخرين، بعدما أوقف مسلحون حافلتين تقلان الجنود من إجازاتهم إلى معسكراتهم بشمال سيناء فى رفح، وقاموا بإنزال الجنود وأمروهم بالنوم على بطونهم وقتلوهم، وحاولت الطائرات الحربية اللحاق بالجناة وضبطهم إلا أنها لم تستطع السيطرة على المشهد وقتها.

ولأنها المذبحة الثانية في توقيتها السنوي نفسه، وبعدد ضحايا لا يمكن إغفاله، سارعت وسائل الإعلام المصرية المختلفة إلى النبش وراء الحدث وصانعيه، وذلك بعد القبض على بعض المتهمين في هذا الحادث المأساوي. فسارع الإعلامي وائل الإبراشي، على شاشة قناة "دريم"، وعبر برنامجه "العاشرة مساء" يوم 21 أيلول/سبتمبر 2013، باستضافة أحد شهود الإثبات، لمحاولة الوقوف على ما حدث، ليروي الشاهد تفاصيل الواقعة كما مر بها. فيما أذاع الإعلامي عبد الرحيم علي، عبر شاشة قناة "القاهرة والناس" وبرنامجه المثير للجدل "الصندوق الأسود"، يوم 10 آذار/مارس تفاصيل مكالمات تخصّ المتهم الرئيسي في هذه القضية عادل حبارة.

إلى هنا، لا غضاضة. فالإعلاميان –المواليان للنظام- يقومان بما يجيدان فعله. أبواق النظام التي تعمل دون كلل في إلصاق الإتهامات بالإخوان المسلمين وإثبات أن ما يحدث في سيناء، مسؤولة عنه الجماعة وحدها. المثير في المسألة هو استدعاء الإبراشي وعلي وإحالتهما للتحقيق لأنهما "يعيقان مسار العدالة" ويصدران أحكاما إعلامية على من هم ما زالوا أبرياء في عرف القانون. فقد قررت محكمة جنايات القاهرة تحريك الدعوى الجنائية ضد كل منهما وإحالتهما للتحقيق أمام النيابة العامة لإفشائهما أسرارًا من دون إذن المحكمة. ودفعت هيئة دفاع المتهمين ببطلان التسريبات والتسجيلات التي قدمتها النيابة، وبطلان محضر الإستماع. وصمّم على استبعادها من أوراق الدعوى، مؤكداً تعرضها للعبث والتلاعب بها لإدانة المتهمين، وأن هذه التسريبات تم عرضها قبل أن يطلع عليها الدفاع عن المتهمين بخمسة أشهر، وكذلك اختلاف تسجيلات أولية ثلاثة للدعوى، عن التسجيلات الأخيرة التي قدمتها النيابة، فضلاً عن أن الكشف الوارد للمحكمة من المرفق القومي للاتصالات يشير إلى وجود أكثر من 1300 مكالمة تم تسجيلها للمتهمين منذ صدور إذن التسجيل وحتى القبض عليهم، ولم يرد منها سوى 10 مكالمات فقط، مؤكدًا أنه من الممكن أن تحوي باقي المكالمات على دليل لبراءة هؤلاء المتهمين.

إستدعاء الإعلاميين وضع الأسئلة في مسارها الصعب. فالحيرة حول إدانة الإبراشي، لاستضافته أحد الشهود، محل خلاف في مواقع التواصل الاجتماعي –رغم مظاهر الفرحة بالإفراج عن علاء عبد الفتاح. فالبعض رأى أن الحرية لا تتجزأ، وأنه –أي الإبراشي- رغم تأييده الأعمى للنظام، فله الحق في التحرك طالما أنه لم يخالف قانوناً واضحاً، خصوصاً أن موعد عرض الحلقة سابق على تاريخ القضية نفسها. فيما رأى آخرون أن "العدالة الشعرية" وضعته في هذا المأزق الحرج، بينما ظهرت آراء متطرفة ترى أن النظام يلعب ببعض رجاله بالاتفاق لإلهاء الرأي العام والظهور بمظهر المحايد البعيد من الحسابات الخاصة.

أما عبد الرحيم علي، فلم يجد له مناصراً يذكر، خصوصاً مع شهرته الفضائحية وبرنامجه الذي هو منصة ومنفَذ للأجهزة الأمنية المصرية، لتصفية خصومها السياسيين وإحراقهم إعلاميا، مثلما فعل علي مع التسجيلات التي تخص أحمد ماهر ومحمد عادل من المكتب السياسي لحركة "6 إبريل"، والتي كانت سبب إدانتهم. لم يتعاطف أحد مع عبد الرحيم، لا لانحطاط ما يقدمه ومخالفته لأبسط مبادئ الحرية، لكن موقفه كان أوضح من أن يختلف الناس بشأنه، وهو الذي استعان بمجموعة من الأدلة التي تدين المتهم الرئيسي، الأدلة الكافية لإعدامه شعبيا وإعلاميا قبل نطق المحكمة بحكمها.

لا يمكن بأي حال من الأحوال وضع الإبراشي وعبد الرحيم في موقع الاتهام نفسه في هذه القضية، بين مَن سعى إلى مصدر الخبر في وقته، ومَن انتظر أن يرمي له النظام عظاماً يلهو بها ويُلهي الناس. لعل تفصيل المواقف يعطي مثالاً ناصعاً على معنى حرية الإعلام وحدودها.

increase حجم الخط decrease