السبت 2014/02/08

آخر تحديث: 07:19 (بيروت)

"شوف".. تثوير الصورة ويومياتها

السبت 2014/02/08
"شوف".. تثوير الصورة ويومياتها
"الغياب" تصوير: صبري خالد
increase حجم الخط decrease
بالنسبة إلى الكثير من المصريين، الثورة مستمرة. لدى هؤلاء قصص عاشوها أو أرّخوها أو حفظوها في صور. ثلاثة أعوام مرت على الثورة المصرية، لكنها تبدو في صور معرض "شوف، قصص مصورة من مصر" وكأنها حاضرة حتى اللحظة.
 
تقابل "المدن" الفنانين المصورين الصحافيين المشاركين في معرض يفتتح أبوابه، السبت في 8 شباط/ فبراير الجاري في "مؤسسة التعبير الرقمي العربي - أضف"، بعدما حل ضيفاً على "أتلييه القاهرة" الشهر الفائت. الأعمال المعروضة لسبعة مصورين محترفين في جريدة "الشروق" اليومية، لا ترتبط ارتباطاً مباشراً بالثورة، إلا أنها تعكس حالة من الانتعاشة الفنية، حالة تثوير الصورة الفوتوغرافية لم تكن لتتجلى لولا ثورة 25 يناير، وانخراط الفنانين فيها وتأثرهم بها وانعكاس ذلك على الحركة الفنية بشكل عام.
 
فعلى عكس معرض سابق لهم (ضم 14 مصوراً من "جريدة الشروق") وأُقيم في نوفمبر 2011 بعنوان "الشعب خط أحمر" جمع – كما يظهر من عنوانه الدال - مشاهد من التصدي للقمع، وتوثيقاً للمقاومة، ولقطات من يوميات الثورة وإبداع الشعب الذي لا ينضب.. يبدو معرض اليوم "شوف"، بعد ثلاث سنوات على الثورة، كما لو كان التقطير المصفى لروح الثورة.
 
ثلاث سنوات من الخبرة والمراس جعلت المواطن أكثر صبراً وتأقلماً مع ما يواجهه من معضلات الحياة اليومية، وجعلته "يتجاوز"، بروحه المثابرة، الأسوار والعراقيل التي يتفنن الآخر في وضعها، حيث تجلى ذلك بوضوح في أعمال علي هزَاع الذي رصد بعدسته أحوال المواطن في التعاطي مع الحاجز الخراساني الذي لجم فضاء وسط البلد، وامتد إلى ميادين أخرى تحسباً لوقوع أية مظاهرة.
 
من الأحلام الرومانسية للأيام الأولى للثورة، تلك التي جعلت الثوار يرسمون، على الحواجز نفسها، غرافيتي لشوارع وطرقات مفتوحة رغم أنف الأسوار، تطور الأمر إلى مرحلة أكثر واقعية قائمة على التعايش مع الأسوار. هنا التقط هزاع صورة لتجويف في الجدار استثمره المواطنون للمرور عبره إلى الجانب الآخر ومزاولة عملهم، وهناك استغل البعض الحيز المحدد الذى كوّنته الحواجز لإقامة ورش لتصليح السيارات، أو للعب مباراة لكرة القدم. ويظل السؤال مطروحاً من خلال الأعمال المصورة هل إن كل هذه الحواجز والأسوار هي مآل ثورة الحرية؟
 
رغم التنوع الشديد في توجهات الفنانين إلا أنهم يمثلون سوياً حركة فنية ذات بصمة واضحة – كما وصفها الفنان جميل شفيق أثناء زيارته للمعرض بينما تعلو وجهه علامات الإعجاب - حركة فنية قوامها ستة مصورين يدعون الجمهور ويستحثونه أن "يشوف"، وألا يستسلم لما يقدم له، بل أن يتأمل الصورة ويفك شيفرتها ويتبع حدسه ليختار هو بنفسه طريق المعرفة.
 
تهدف المجموعة إذن إلى تقديم "قصص مصورة ترصد وتوثق بعمق أحوال المواطنين والمتغيرات التي تحدث في مجتمعنا، بعيداً من الصورة الخبرية المفردة في حدث جارٍ، بعيداً من الإعلام التقليدي الذي لا يدعو للتفكير وينمط البشر وأحوالهم"، كما نقرأ في مطوية المعرض.
 
عودة المواطن العادي
في لحظة التراجع التي يشهدها الإعلام التقليدي، يصر المصورون السبعة على تأكيد انتمائهم إلى القصة الصحافية المصورة، أو الصورة التي تخلق عالماً موازياً للنص الصحافي، وليست تلك التي تكمل جملة مسطحة لحدث ما مهما عظم شأنه. حيث ترفض المصورة، رندا شعث، التمييز بين الصورة الفنية والصورة الصحافية "كلها حدود مختلقة"، وتتسائل: "من قال إن الصورة الصحافية ليست صورة فنية؟ فالقائمون على الصحف لا يعيرون أي اهتمام للصور التي تنقل في مجملها قصة مصورة ذات مغزى"، بينما تبحث شعث مع باقي أفراد المجموعة على القصة المصورة التي تمد جسور التواصل مع صانعيها، والتي تنشغل بالإنساني وتصبح بالتالي أكثر عمقاً وأكثر تواصلاً مع القارىء المنتظر. 
 
وفي هذا الإطار يقدم الأخوان، جورج وصمويل محسن، نموذجاً للقصة المصورة كما ينبغي أن تكون، إذ اختارا فن البورتريه الذي يعد نقطة تماس بين عالم التصوير وعالم الصحافة، ولكن بعيداً مما يصدره الإعلام اليوم من لقطات سريعة قاصرة على المشاهير في أجواء معظمها مصطنع. وتمثل أعمالهما رجوعاً إلى أصول فن البورتريه الذي يطمح في الصحافة كما في الصورة الضوئية إلى الولوج إلى عمق الشخصية وإبراز جوانب خفية لا يعلمها القارئ، فضلاً عن تسليط الضوء على بطولات المواطن العادي وليس فقط المشاهير. قدم الأخوان شخصية "روبير"، الرجل البسيط الذي أنفق 45 عاماً من حياته في الخدمة بمدرسة "دي لاسال" في حي الظاهر بالقاهرة، رغم أنه ليس من الآباء اللاساليين لكنه قضى عمره كناسك في محراب التعليم. قضى الأخوان معه أوقاتا طويلة كي يستطيعا أن يلتقطا علاقته العضوية بالمكان، منكفئاً وسط أطنان الكتب العتيقة في مكتبة المدرسة، أو منحنياً على آلة التصوير في صبر وجلد.
  
بين الخاص والعام .. الوجع واحد
أما أعمال صبري خالد، وهبة خليفة، فتدور حول فكرة الغياب/الحضور، لكن في اتجاه ومسارات معاكسة، فبينما بدأ خالد بالتجربة الشخصية لينفتح على الفضاء العام، بدأت خليفة بالالتحام بالجماهير خلف عدستها في اعتصامات الخامس والعشرين من يناير لتخلص في معرضها الحالي إلى السيرة الذاتية.

تلتقط خليفة مشاهد الانخراط في الثورة "من الداخل"، داخل البيت، حيث تفرض عليها الأمومة قيداً يجعلها "تلتحم" بالحياة عبر منفذ وحيد هو صندوق التلفزيون، أو تعلق ملابس الغسيل مرتدية قناع "فنديتا" الشهير أو ذلك الواقي من قنابل الغاز. وتعكس  الفنانة، عبر ولوجها داخل الذات، وضع المرأة في حالات غياب الشريك، التي تعبر عنها في نص أدبي مواز للصورة: "أكنس كل يوم ما تبقى منها في زوايا روحي"، ويتحول الحصرم أو الزلط إلى "وجبة يومية" في لوحة فوتوغرافية رمزية تحمل العنوان نفسه. 
 
أما صبري خالد، فقد انطلق من قصة الغياب الخاص، من قصة فقده لصديق، لينفتح على الغياب العام، حيث يتواصل مع أهالي الشهداء أو هؤلاء الذين غاب عنهم ذووهم أو عائلاتهم في المحاكمات العسكرية، يلتقط صوراً تقطر ألماً، لبدرية – التي حكم على زوجها بعشر سنوات في محكمة عسكرية - على الفراش الموحش بجانب طفلها تعلوها طاقة ضوء صغيرة كما لو كانت السيدة تشارك زوجها زنزانة أخرى بحجم الحياة. وفي تجول عدسته الحانية بين الآباء الثكالى لا يفرق بين أهالي شهيد النهضة – الذي ينتمي للإخوان المسلمين- وبين "سكون" البيت الذي يقبع في عمقه والد أحد شهداء الثورة، أو حتى والدة المجند الشهيد التي تقول في تعليق الصورة: "أنا سايبة الشبشب بتاعه مكانه، عندي أمل إنه هيدخل عليَ من الباب ده في يوم من الأيام"، بينما لا نستطيع محو الأثر الباقي لمشهد الشبشب متصدراً الصورة عند مدخل البيت ومؤكداً على فجيعة الغياب أيا كان طرفا الصراع. 
 
مناخ فني جديد
أما أعمال كل من رندا شعث - قائد أوركسترا المجموعة - والمعنونة "الموسيقى صوتها"، وزياد حسن، الأصغر سناً، والذي أطلق على مجمل أعماله عنوان "فرقة العرائس"، فتشهد على تحويل الفضاء الثوري إلى فعل فني وصراع اجتماعي حقيقي، فلولا الثورة لما انتعشت الأشكال الفنية التي يصورها الفنانون، فالصورة هي التي تلتقط المصور وتجذبه إليها وليس العكس، تماما كما قال المصور الفرنسي الأشهر أونري كارتييه بريسون.
 
اختارت شعث لقصتها المصورة أن تتبع بعدستها موسيقيات ومطربات شابات تفتّحن مع الثورة، مثل شيرين عبده، ودينا الوديدي، وياسمين البرماوي، ومريم صالح، ويسرا الهواري. وراحت المصورة المحترفة تنتقل معهن في حفلاتهن وتجتمع بهن في جلسات الأصدقاء ليحدث نوع من التآلف الإنساني النادر مع العدسة الزجاجية، لأن ما يهم رندا شعث في المقام الأول هو كسر الصورة النمطية للفنانة على خشبة المسرح والولوج إلى العمق الإنساني في تفاصيل الحياة اليومية، ما يهمها في المقام الأول هو هؤلاء المواطنات اللاتي خرجن من رحم الثورة لينحتن لهن مكاناً تحت الشمس.
 
تصورهن في لحظاتهن الإنسانية الحميمة، في منطقة أشبه بالكواليس، هنا لقطة وضع رتوش الزينة الأخيرة قبل الحفل وقد انعكست المصورة أيضا في المرآة، وهناك تبتعد قليلاً عن أضواء المسرح لتلتقط أثر الفنانة على جمهور المتلقين في إحدى المحافظات المتعطشة للفن. وهنا تلتقط دينا الوديدي على الخشبة، لكن من الخلف لتظهر علاقتها بجموع الجماهير في تظاهرة "الفن ميدان". فتكشف الكاميرا طبقات أخرى مسكوتاً عنها من "النضال اليومي" الذي تنفقه الموسيقيات في تحدّي أسَرهن، والاضطرار للعمل في وظائف بعيدة عن عالم الفن والموسيقى، فقد عرفن الطريق ولا يمكن العودة للوراء.
 
أما زياد حسن، فيروي قصة شكل فني آخر نما مع الثورة وانتعش في عروض الشارع الفنية والمسيرات الاحتجاجية، وهو فن العرائس. حيث شارك المصور نفسه في ورش فنية بقيادة الفنان ناصف عزمي، لإنتاج العرائس الضخمة التي تنتقد السياسة وتسخر من السلطة الحاكمة. وذهب زياد يوثق مراحل العمل المختلفة ومشاركة العروس، التي تبلغ ثلاثة أضعاف الحجم الطبيعي للانسان في عروض فنية لتمثل تارة العسكر وتارة أخرى الإخوان المسلمين، أو لتشارك في تظاهرات بورسعيد أو دمياط وسط حشود المتظاهرين.
 
لم تعد الصورة اليوم مجرد وسيلة توثيق، لكنها تحكي طبقات متراكمة من التاريخ على مدى "الشوف" وتجذب المتفرج وتستحثه أن يتبصر.

 "روبير"- جورج صمويل محسن
روبير-تصوير-جورج-وصمويل-محسن-(2).jpg
"الأسوار"- علي هزاع

  الاسوار-تصوير-علي-هزاع-(1)-(1).jpg
 
"الموسيقى صوتها"- رندا شعث
الموسيقى-صوتها-رندا-شعث-(1).jpg

"الفرقة"- زياد حسن
الفرقة-تصوير-زياد-حسن-(1).jpg

"من الداخل"- هبة خليفة
من-الداخل-تصوير-هبه-خليفة-(3).jpg
increase حجم الخط decrease