الثلاثاء 2014/12/09

آخر تحديث: 19:13 (بيروت)

برنامج "المستخبي": الأمن في ثوب الصحافة

الثلاثاء 2014/12/09
برنامج "المستخبي": الأمن في ثوب الصحافة
منى عراقي تصور المعتقلين من الحمام بكاميرا الموبايل الخاص بها
increase حجم الخط decrease

يكاد يكتمل القرن على إشكالية حدود سلطة الصحافة والإعلام وعلاقتها الجدلية بالقانون والأجهزة الأمنية. فلم تأت تسمية "السلطة الرابعة" من فراغ. الجدل حول ماهية الحدود التي يتحرك داخلها الصحافي والمراسل، وما هي الامتيازات الخاصة به، ومتى يستطيع الكشف عن مصادره، وكيف يتحول الصحافي إلى شريك في الجريمة أو المحاكمة أو الاثنين معاً؟ هذه الإشكاليات التي تعطي للصحافة قوتها ومساحتها في العمل، خاصة مع تحقيقات صحافية تطيح حكومات ورؤساء، مثل فضيحة ووترغيت الشهيرة...

كل هذه الإشكاليات لا تبدو موجودة مع السقطة الإعلامية المشينة التي قامت بها الإعلامية منى عراقي في برنامجها الذي تسمية استقصائياً، "المستخبي" على شاشة "القاهرة والناس"، والتي بدأت منذ يومين مع عرض "برومو" لحلقة من برنامجها عن اليوم العالمي للإيدز. وفيه تحاول عراقي الكشف عن "حمام شعبي" في منطقة وسط القاهرة يُمارس فيه ما تسميه هي "أكبر مكان لتجارة الجنس بين الذكور"، وكتبت معه تنويهاً مفاده: "كان من المقرر عرض الحلقة الأربعاء الماضي، وتقدم المستخبي ببلاغ للجهات الأمنية بما يحدث بالحمام، ولكن تصاريح النيابة تأخرت، ولذلك قرر فريق البرنامج تأجيل عرض البرنامج لإتاحة الفرصة للجهات الأمنية لغلق الحمام، وعلى الفور توجهت قوة من مباحث الآداب.. وألقت القبض على من كانوا بالحمام متلبسين أثناء حفلة جنس جماعي كما قاموا بالقبض على مدير الوكر وكل العاملين، وقد تم ترحيلهم على الفور للعرض على النيابة بدون ملابس.. فقد تم تحريز ملابسهم ضمن أحراز القضية". وأرفقت صورتها خاصة بالبرنامج وهي تقوم بتصوير الشرطة وهي تلقي القبض على مجوعة من الشباب الذي يحاولون إخفاء وجوهم من الكاميرات.

 


والبرومو والصورة وتنويه فريق البرنامج، فتح أبواب الغضب في وسائل التواصل الاجتماعي التي هاجمت بشراسة ما فعلته عراقي وفريقها، وأن ما حدث يخالف مواثيق الشرف الإعلامي، وكل ما هو متعارف عليه عن العلاقة بين الصحافي ومصادره، وكيف أن ماحدث هو فعل الأمن لا الصحافة والإعلام.

فما كان من فريق البرنامج إلا أن أصدر بيانا جاء فيه: "أثناء العمل على إصدار هذه السلسلة الاستقصائية ضمن حلقات البرنامج.. نؤكد أننا عملنا على تحقيق أكبر قدر من الدقة والاحترافية في مراعاة القواعد المهنية والإنسانية والعلمية المتعارف عليها عالميًا.. ونرجو من السادة المتابعين عدم استباق عرض المحتوى سلبًا أو إيجاباً".

وكان أن عرضت الحلقة في موعدها المقرر أمس، منتصف الليل بتوقيت القاهرة، وتم تغيير عنوان الحلقة من "أكبر وكر للشذوذ" إلى "تجارة الجنس الجماعي في مصر". وفيها نصبت عراقي نفسها محتسبا أخلاقيا وشريكا في الرقابة على المجتمع، وعلى الرغم من أن الحلقة من المفترض أنها عن الإيدز وأسباب انتشاره، كانت اللقطات المصورة وحديث المتورطين فيه يمكن أن يستخدم في أي قضية يحلو لها أن تضعها عنوانا للحلقة، مه الكاميرا المخفية والكلام المبهم.

وأثارت القضية موجة اعتراض على "العمل الأمني" الذي مارسته الصحافية، برداء المهنة. يقول الصحافي ومدير تحرير موقع "المصري اليوم" أحمد رجب لـ"المدن"، عند سؤاله عن إشكاليات التعاون بين الإعلام وأجهزة الأمن: "هذه مسألة مرفوضة برمتها، وغير مقبول بأي حال من الأحوال أن يسلم صحافي مصدره للأمن. نحن نعمل عند الناس لا عند الداخلية وإلا لكنا عملنا في الداخلية مباشرة.. يسري فودة التقى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وخالد بن شيخ وكانوا على قائمة المطلوبين دوليا، هو نشر هذه اللقاءات ولم يبلغ عنهم، ما حدث في برنامج المستخبي انحرف بالعمل الإعلامي إلى مكانة أدنى، بحثا عن نجاح رخيص ومبتذل، ولا يمكن أن يسمى ماحدث صحافة ولا استقصاء".

بدوره، تساءل الصحافي والإعلامي حسام بهجت، على صفحته الخاصة في فايسبوك: "إيه علاقة عرض الحلقة وكشف هذه المعلومات الخطيرة (من وجهة نظرها المعوجة) للمجتمع بتوقيت حملة الآداب على الحمام الشعبي؟". ويضيف: "أسوأ وأقذر ما في هذه القصة هو أن "الصحافية" لم تنقل لمشاهديها قصة واقعية بغض النظر عن أهميتها وجودتها، وإنما كانت "الصحافية" هي من صنعت القصة أصلا، وهي من حددت توقيت حدوث القصة، وهي من اختارت عدد ضحاياها الذين سيتم تقديمهم للمحاكمة مع اسمائهم وأعمارهم وعناوينهم ووظائفهم منشورة في قرار الاتهام. وقفت "الصحفية" بعد أن قررت مصائر ضحاياها بهدوء في الركن تتظاهر بتصوير قصتها بالموبايل بينما تقوم كاميرا برنامجها بالتقاط الصور لها كمخرجة فخورة تتابع تصوير فيلمها الروائي الأول داخل البلاتوه".

يذكر أنها ليست المرة الأولى لمنى عراقي التي تقدم فيها أحد مصادرها وأبطال تحقيقاتها المصورة للأمن، فقد فعلت ذلك من قبل في فيلمها "مصنع البلطجية" ويبدو أن عراقي قد نصبت نفسها ذراعا إعلامية للأمن في مصر.

في المحصلة، نحن في انتظار بقية الحلقات الثلاث المنوه عنهم في إعلانات القناة، والتي أكدت معدته أنها ستتضمن الرد على كل التساؤلات، لكن ما عرض لا يبشر بخير، بل بمستوى متدن من الإعلام، تذهب معه كل أخلاقيات المهنة سدى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها