الأحد 2013/02/03

آخر تحديث: 08:18 (بيروت)

الجسد والسلطة

الأحد 2013/02/03
الجسد والسلطة
غرافيتي على حائط في محيط جامعة بيروت العربية ( من مدونة "جدران بيروت")
increase حجم الخط decrease
لسنا بحاجة إلى روايات رسميّة أو غير رسميّة حول مشاهد السحل التي نشاهدها بين الحين والآخر، والتي تتسلل إلى الوعي البصري الجماعي. في أواخر عام 2011، قامت مجموعة من الجنود بسحل إحدى المتظاهرات (تعرف أيضاً بالفتاة "ذات الصدريّة الزرقاء")، وضربها وتجريدها من ملابسها، في ميدان التحرير، أثناء مشاركتها في الاحتجاجات الشعبيّة ضد المجلس العسكري الذي كان قابضاً على الحكم آنذاك.
 
يعود اليوم هذا المشهد، بظروف مشابهة. إذ قامت حفنة من عناصر الأمن بسحل وضرب وتجريد أحد المتظاهرين من ملابسه، أثناء مشاركته في الاحتجاجات ضد النظام الإسلامي، أمام قصر الاتحاديّة الذي يقع في أحد أحياء الأثرياء شرق القاهرة.
 
يتشابه المشهدان في جوهرهما، رغم اختلاف جنس الضحية فيهما. يتكرر الجلاّد بخوذته، سلاحه، وهراوته في المشهدين. هنا، لا يُختصر الجلاد فقط بالرجل الذي سحل وضرب المتظاهرين العزّل. فالجلاد هو عبارة عن سلسلة طويلة من العنف والقمع، منبثقة عن جوهر السلطة المرتكزة على القهر والإخضاع. فالشخصيات الممثّلة لهذه السلسلة من رأس الهرم السلطوي، مثل المسؤول الذي أصدر مرسوماً رسميّاً لقمع المحتجين، ومثل الضابط الذي أعطى أوامر لجنوده بممارسة أقصى أشكال العنف تجاه المدنيين،  ليست سوى أشكال سلطويّة لجوهر السلطة.
 
عندما تشعر السلطة بأنّها مهدّدة، تخلع عنها قناع "الديموقراطيّة"، وملحقاتها من "حقوق إنسان" و"الحفاظ على سلامة المواطنين". تغسل وجهها من مستحضرات التجميل، لتُمارس عنفها على نحو مباشر، من دون مواربة وتمثيل. 
 
في عالم الواقع، تسعى السلطة إلى الحفاظ على مساحتها وحيّزها السلطوي مهما كلّف الأمر، ولو كان ذلك عبر سحل متظاهر معترض على سياساتها وتوجهها.
 
بغض النظر عن مَن يحكم، سنكون دائماً أمام مشاهد مماثلة من السحل، من التعذيب والضرب للمدنيين المحتجين على سياسة النظام أو الحكومة. السلطة جوهرها واحد، ولو اختلفت فلسفة النظام. فالنظام إذا كان ديمقراطيّاً، دكتاتوريّاً، مدنيّاً، أو دينيّاً، سيُدافع عن سلطته بالقوّة، ولو اختلف منسوب استخدام العنف بين نظام وآخر. حتّى أنّ تعريف الدولة يقوم على احتكار العنف، والحق بممارسته للدفاع عن ذاتها.
 
المشهدان القادمان من شوارع القاهرة ليسا مجرّد مشهدين رمزيّين، رغم الكثافة الرمزيّة التي يحملانها. ما قام به العساكر وعناصر الأمن كان واضحاً، ومباشراً. هي عمليّة استلاب للجسد، وقدرته على التعبير، التخيّل، والخلق والرفض. إخضاع للجسد كهيكل للروح، والمكان الذي تحيا فيه الفكرة، والثورة. هي محاولة ترويض للجسد وإعاقة تقدّمه ليعود إلى "بيت الطاعة"، ليسكن، ويهدأ تحت سلطة النظام.
 
ورغم أنّ السلطة بطبيعتها البطريركيّة، تُمارس قمعها في الدرجة الأولى تجاه المرأة، فهي لن تتوانى عن ممارسة القمع ذاته تجاه الرجل إذا ما حاول الانتفاض عليها. فقهر الإنسان هو جوهر السلطة، بغض النظر عن جنسه. فالجنود الذين قاموا بتعرية الفتاة في ميدان التحرير، قاموا أيضاً بتعرية الرجل أمام قصر الاتحادية، ما يعني أنْ لا أجساد خارجة عن سيطرة السلطة... وللآخرين، يعني ذلك أنّ معركة حريّة الأجساد قد بدأت!
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب