السبت 2015/05/23

آخر تحديث: 11:59 (بيروت)

"أنتي- سندريللا" تزحف الى البيت الأبيض

السبت 2015/05/23
"أنتي- سندريللا" تزحف الى البيت الأبيض
يأتي ترشيح فيورينا في ظل تصاعد وعي نسوي أميركي
increase حجم الخط decrease

"أفضّل أن أحارب في العراق على أن أعمل مجدّداً تحت إمرة تلك السيّدة". وتبدو "تلك السيّدة" منافِسَة شرسة تُهدّد حظوظ المرشحة الديمقراطيّة هيلاري كلينتون، فهل تشهد أميركا أول انتخابات رئاسيّة تكون محصورة بين نسائها؟ ربما يفضل البعض القول بأنها تكون محتكرة بين النساء، خصوصاً مع استمرار زخم مرشحة "حزب الشاي" سارة بيلين، لكن المنافسة الرئاسيّة جرت دوماً بين رجال، ونادراً ما وُصِفَت بأنها "محتكرة" من الرجال!

وإذا صح أن توصف إمراة بأن العمل معها أشد قسوة من الذهاب للحرب في العراق، يصح أيضاً أن ترتسم صورتها بوصفها "سندريللا" معكوسة، أو "أنتي- سندريللا"، بمعنى أنها عكس تلك المتكّلة على جمالها وحده وتقف بلا حول ولا حيلة، بانتظار الفارس المنقذ الآتي على صهوة حصان أبيض.

كلا. لا تنتظر كارلي فيورينا التي يطاولها ذلك الوصف، الخلاص إلا بما تصنعه بنفسها وعلمها وعملها وذكائها، إضافة الى تصميمها الذي ظهر من معاودتها الترشح إلى المنصب الرئاسي، بعد فشلها في أن تكون مرشحة الحزب الجمهوري في العام 2010، مع الإشارة إلى أن عبارة أنها أشد قسوة من حرب العراق نسبتها مجلة "تايم" إلى شخص سبق أن عمل تحت أمرتها ضمن الحملة الرئاسيّة لمرشح الحزب الجمهوري في العام 2008.

ويأتي ترشيح فيورينا في ظل تصاعد وعي نسوي أميركي بعدم البقاء خارج آليات القوّة المباشرة، بمعنى السلطة، على كافة الصعد. ولعل الرواج الهائل الذي ناله كتاب الأميركيّة شيريل ساندبرغ "اقتحمن يا نساء، في العمل، وأبرِزْن إرادتكن في القيادة"Lean In, Women, Work and the Will to lead. ووضعت مجلة "تايم" ساندبرغ على غلافها مع صورة لذلك الكتاب.

نسيج العنكبوت: ضد تسلّط الذكور
هناك شبكة من الخيوط المنسوجة بين ساندبرغ والمرشحة الرئاسية فيورينا. إذ تأتي المرأتان من عوالم "وادي السيليكون" الأميركي. إذ تشغل ساندبرغ منصب الرئيسة الإجرائيّة للعمليات في "فايسبوك"، الشبكة الشهيرة للتواصل الاجتماعي، فيما تملك فيورينا تاريخاً مذهلاً في تلك الصناعة، التي يتباهى بعض متطرفي الذكورية في رسمها كأنها مساحة حكراً على الرجال! ولعل أبرز ما تشتهر به فيورينا هي أنها تولّت رئاسة الإدارة في شركة معلوماتيّة عملاقة، هي شركة "آتش بي" HP (المصطلح المختصر لـ"هولييت- باكارد" Hewlett-Packard)، بعد أن تدرّجت في شركات تقنيّة كبرى، خصوصاً "إيه تي أند تي" AT&T وهي عملاق الاتصالات في الولايات المتحدّة.

وصلت فيورينا إلى ذلك المنصب في العام 1999، قبل الانتشار الفوراني للانترنت عالميّاً، في ظل حدث لافت يعبّر عن بكثافة عن تلك المرأة. إذ كانت المرأة الأولى التي تتولى منصباً قياديّاً في شركة معلوماتيّة عملاقة، بل أنها كانت من الشركات العشرين الكبرى في تلك الصناعة عالميّاً.

وإضافة إلى ذلك، سجّلت فيورينا أنها أول شخص يدير شركة "آتش بي" من خارج الإطار العائلي لمؤسيسها بيل هولييت وديفيد باكارد، مع الإشارة إلى أن العائلتين (بالأحرى رجالاتها) ما زالت ممسكة بالنفوذ المالي للشركة العملاقة وتحوزان القسم الأكبر من أسهمها. وبقول آخر، تخطّت فيورينا بضربة واحدة مجموعة من العوائق الكبرى التي تشمل الذكورية والسلطوية العائليّة وهيمنة الأموال.

وفي معنى مجازي، بدت فيورينا وكأنها حقّقت شعار "النساء إلى السلطة" قبل أن تجعله ساندبرغ عنواناً لكتابها، وتكثيفاً لفكرتها عن ضرورة أن تسعى النساء إلى المناصب الأولى في أميركا. ولم يكن عبثاً أن مجلة "فورتشن" الشهيرة وصفتها في مطلع القرن الجاري، بأنها "المرأة الأقوى في عالم المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة".

ويسجّل عالم المعلوماتية لفيورينا أنها استطاعت صنع اندماج بين شركة "آتش بي" ومنافستها العملاقة أيضاً "كومباك" Compaq، ما رسّخ قدم "آتش بي" في صناعة المعلوماتية بأنها صارت الشركة الأضخم في صناعة الكومبيوتر الشخصي عالميّاً. وعقب توليها رئاسة شركة "آتش بي" (بعد الاندماج)، أظهرت فيورينا أنها تتمتع بإرادة فولاذيّة برزت عبر صدام قاسٍ مع النقابات الأميركيّة، بأن حزمت أمر الشركة بشأن تسريح 30 ألف عامل أميركي فيها. وبعد فترة، استطاعت فيورينا أن تثبت بعد نظرها، لأن شركة "آتش بي" استطاعت توسيع صفوف موظفيها إلى أكثر من مجموع ما كان لدى الشركتان قبل اندماجهما.

في المقابل، لم تستطع فيورينا السيطرة على الزمام طويلاً، في ظل العواصف التي ضربت بورصة "نازداك"، قبل أن تندلع الأزمة الاقتصادية عالمياً في العام 2008. ففي العام 2005، هبط سهم "آتش بي" إلى نصف قيمته، فيما كانت بورصة "نازداك"، وهي البورصة المعتمدة أساساً على شركات المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، تهبط بمقدار 26 في المئة. وحينها، أرغم مجلس الإدارة فيورينا على الاستقالة، بل أنها خرجت كليّاً من تلك الشركة.

في متاهة السياسة
تقلّبت فيورينا في مواقع كثيرة، قبل أن تدخل إلى عوالم السياسة الأميركيّة. وكانت مستشارة في الحملة الرئاسيّة للمرشح الجمهوري جون ماكين في مواجهة المرشح الديمقراطي (حينها) باراك أوباما، في العام 2008. وكذلك خاضت غمار الانتخابات التشريعيّة في كاليفورنيا، على رغم عدم فوزها. ولم تتمكّن في العام 2010 من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لها لمواجهة باراك أوباما. ولم يفت ذلك في عضدها، بل أنها اغتنمت الأجواء المتولّدة من بروز ترشيح هيلاري كلينتون للرئاسة، كي تدفع مجدداً بملف ترشحها للرئاسة الأميركية في العام المقبل.

وهناك في الحزب الجمهوري من يعتقد أن النساء يشكّلن مركز الثقل فعليّاً في معركة كلينتون. وعلى رغم أن كلينتون تملك شعبية واسعة بين الفئات الإجتماعيّة الموالية تقليديّاً للحزب الديمقراطي (الأفارقة الأميركييين، الإثنيات الآتية من أميركا اللاتينيّة، المتحدرين من أصول صينيّة ويابانيّة وشرق آسيويّة، والمثليين جنسيّاً)، إلا أنها لن تصنع الفارق، وِفق أصحاب ذلك الرأي، إذا استجابت نساء أميركا بشكل واسع لها، ورأين فيها صورتهن في القرن 21. في ذلك المعنى، تظهر مرشّحتان للحزب الجمهوري: سارة بيلين التي تعاني من نفور أميركي- شبابي من تطرّفها وانتمائها إلى التيار المتشدّد في "حزب الشاي"، و... فيورينا التي يزيّن هالاتها أنها تأتي من "وادي السيليكون" الذي أصبح أيقونة التقدّم والابتكار الأميركي حاضراً.

عندما فاز باراك أوباما برئاسته الأولى، وُصِف على نطاق واسع بأنه كان "مرشح الانترنت" بسبب الدعم الواسع الذي قدّمه له شبيبة أميركا عبر تلك الشبكة، واعتماده الكثيف على "يوتيوب" في حملته الانتخابيّة، واستفادته المبكرّة من شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها.

وحاضراً، أنشأت فيورينا موقعاً مخصّصاً لحملتها الانتخابيّة يرفع شعارها "إمكانات جديدة وقيادة حقيقيّة". ويتّصل الموقع بصفحات التواصل الاجتماعي لفيورينا على "فايسبوك" و"تويتر". ويتباهى الموقع بما حقّقته فيورينا في المعلوماتيّة والاتصالات. ويخاطب عقليّة شبه شعبويّة، بقوله أن أم فيورينا أوصتها بما يلي: "ما أنت عليه هو هبة الله لك، ما تصنيعه بنفسك لنفسك هو هبتك إلى الله". ويغازل الشعار عقلية "قيم العائلة" التي صعدت في أميركا منذ رئاسة رونالد ريغان في الهزيع الأخير من القرن الماضي.

هل تصنع المعلوماتية الفارق مرّة اخرى، وتساند تلك الـ"أنتي- سندريللا" الآتية من قلب عوالم المعلوماتيّة، فتوصل حصانها الذي تقوده بنفسها إلى البيت الأبيض؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها