الأربعاء 2017/07/05

آخر تحديث: 15:00 (بيروت)

أبوحالوب.. المختار العراقي في "روضة" دمشق

الأربعاء 2017/07/05
أبوحالوب.. المختار العراقي في "روضة" دمشق
Thesyrianblog/Facebook ©
increase حجم الخط decrease
يأتي أبوحالوب كل يوم ويجلس في مكانه المعتاد في مقهى الروضة في دمشق. عادة لم يتخلّ عنها منذ 38 سنة، وهو العراقي الذي قدم إلى سوريا في العام 1979 وأصبح سيد المكان.


طاولة أبوحالوب باتت محجاً لكل العراقيين، سواء القادمين من بغداد أو من المنافي، فإذا أرادوا السؤال عن أحد أقاربهم أو الاسترشاد إلى منزل يستأجرونه لا بديل لهم من سؤال أبوحالوب، الذي يأتيهم بأخبار كل العراقيين في دمشق وهو جالس في كرسيّه.

يقول أبوحالوب لـ"المدن"، إنه منذ 45 سنة خرج من العراق، ومنذ ذلك الوقت لم يعد إليه لأنه "أصبح حلماً.. حلم وضاع. مالنا مستعجلين 500 سنة تانية وبنرجع".

يصف الرجل العراقي، صديق معظم روّاد "الروضة"، كيف كان المقهى مستراحاً لكل العراقيين والسوريين في الماضي والحاضر، فيصوره كمكان أسطوري بزواره والشخصيات التي مرت به مثل مظفر النواب، وسعدي اليوسف، وغانم بابان، ورياض النعماني، وآدم حاتم، وجواد الأسدي، وآخرين.

من يعرف أبوحالوب يحفظ له أن كان يجمع على طاولته اليمين واليسار، الملحد والمؤمن، البعثي مع القومي. "أنا أشبه وحيد القرن" يقول أبوحالوب. ويضيف "ما عندي أذية على أحد وعندي طيبة قلب كبيرة، كما عندي استعداد على استقبالهم جميعا وخاصة جماعة العهد البائد (بعثيو العراق)". كان أولئك سياسيين وحزبيون انتهى بهم المطاف في دمشق. يصفهم بأنهم كانوا نماذج غريبة، وخاصة "أدباؤهم العجيبون" الذين ليس لهم علاقة بالأدب أو الفن سوى أنهم هواة كتابة.

يتابع: "خرجوا (من العراق) بعد التسعينات، فلكثرة ما رأيت مطبات عندهم ومشاكل، أسميتهم موديل 91. كانت مشاكلهم تفوق الدنيا كلها، تحملت هؤلاء جميعهم ونفسياتهم".

رغم سنواته الـ45 التي قضاها بعيداً عن العراق، إلا أن الأيام التي عاشها هناك لم ينسَها، وكان العراقيون الذين يلجأون إلى سوريا عنصراً يوقظ تلك الذكريات دائماً. يقول أبوحالوب إن العراقيين الذين يأتون إلى سوريا كانوا "يروون مصابهم، وخاصة الحروب التي مروا بها.. مررت بأشخاص أمضوا ثماني سنوات في حروبهم مع إيران. خرجوا من تلك الحرب ليدخلوا بعد شهرين في حرب الخليج، فاستمرارية الحروب هي التي أنهكتهم وأيضاً متطلبات الحياة وإرهاب الدولة ومضايقتها لهم.. لا يوجد عندنا في العراق القانون الوحيد.. عندنا كله للكب أيام صدام حسين".


يضيف: "صعب أن نرى بلداً مثل بيئة العراق لأنها بيئة تراكمات غريبة عجيبة، بيئتنا ليست سليمة، هي بيئة مشوهة.. مع الأسف كنا نحلم في بداية الثورة فقد كانت عظيمة جداً وكان فيها أشخاص عظماء بس للأسف ما قدرنا نخلق قادة حقيقيين فطلعنا على هياكل دول وليست دول حقيقية".


لجأ العراقيون إلى سوريا على مرحلتين، الأولى في التسعينات، والثانية بعد الغزو الأميركي للعراق. يقول أبوحالوب عن أولئك أنهم كانوا في الغالب "مثقفين وأدباء وناس مسجونين، كانوا موظفين وعوائل راقية وبعد التسعين هربوا من النظام العراقي.. أما بعد 2003 فقد كانوا جماعة النظام العراقي.. كان معظمهم أخطبوطاً داخل النظام ويعمل معه، وعندما أصبح العراق بلداً لا يمكن المكوث فيه، هربوا منه، ومنهم أشخاص مقتنعون بأن النظام السابق لا بد أن يعود".


كل تلك السنين لم تغيّر أبوحالوب. يقول الناس في الشام إنه شخص غير قابل لأن يستبدل؛ يحيط نفسه بالذكريات، وما زال لديه شغف بالحياة، ومواظب على شرب العرق.


"العرق شيء عجيب، دخل على بلداننا وهو موروث، الأعراق والأبيار، فإذا ما شربنا عرق ما بتسوى الدنيا"، يقول أبوحالوب. حديثه هذا أعاده إلى أيام "خمارة فريدي" الشهيرة في دمشق. يقول "كان لها مزاج خاص وكانت مجموعة من الشباب ترتادها، مثل غانم بابان وآدم حاتم ومجموعة من الشخصيات العراقية التي كانت تعمل في الصحافة والكتابة، وقسم منهم كانوا يعملون مع المقاومة الفلسطينية، كانت ملتقى، وبعدها راح المكان.. وأغلبهم سافر  الى أوروبا".


اليوم، تغيّرت الشام كثيراً، وحتى وجوه الأشخاص الذين كانوا يرتادون الروضة. أصدقاء أبوحالوب رحلوا، هجراً للبلاد أو الحياة، لكنه ما زال الثابت الوحيد في الصورة التي يحفظها الجميع عن ذلك المكان. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها