الإثنين 2016/11/07

آخر تحديث: 18:33 (بيروت)

بلدة لبنانية.. نموذج "الاكتفاء الذاتي"

الإثنين 2016/11/07
بلدة لبنانية.. نموذج "الاكتفاء الذاتي"
ملعب كرة القدم بمواصفات أولمبية.. وفوقه بئر ارتوازي لمياه الشفة
increase حجم الخط decrease
صورتان لا تلتقيان في بلدة البابلية الجنوبية. الحفر في طرقات الشارع الرئيس للبلدة الواقعة في قضاء الزهراني، تقابل صورة "انتماء" أهلها، وخطواتهم للقفز فوق الحرمان. فالأولى، تكشف اللامبالاة الحكومية تجاه المناطق النائية.. بينما الثانية، تكرس صورة الانتماء بوصفه قفزاً فوق مفهوم الانتساب الصرف.. وهو ما دفع السكان لتكريس "الاكتفاء الذاتي". 
الاكتفاء هنا، لا يمثل تحدياً للارادة الرسمية وتراخيها فحسب. هو فعل ايمان بأن الانتماء لا يستوي الا بالعمل. اتخذ القرار قبل 30 عاماً بأنه "لا يحكّ جلدك الا ظفرك". ومنذ ذلك الوقت، باتت البلدة نموذجاً للتطوير بمعزل عن الدعم الرسمي. حتى باتت مثالاً للإكتفاء.

قبل اسابيع قليلة، تسلمت 36 عائلة من أهالي البلدة، شققاً سكنية ليقيموا فيها بالمجان. هو المشروع الثاني الذي انطلق قبل أربع سنوات، وسكنت 36 عائلة أيضاً، في المشروع الاول. قد يمثل ذلك، تحدياً لظروف انسانية صعبة تعتري البلاد ككل.. لكنه في الواقع، تخطياً له، وسور شاهق لمنع الحاجات من التأثير على التكافل الاجتماعي. وإذا كان يمثل ذروة في الدفع لتعزيز مفهوم الانتماء، فإنه يأتي تتويجاً لمسار قديم، وضع البلدة على سكة "الاكتفاء الذاتي"، وجعلها مثالاً للتكامل والتلاحم الوطنيين، ولو كان على نطاقه الصغير. 

فالبلدة، قبل 30 عاماً، شرعت في بناء مدرسة ثانوية، بجهد أبنائها وسواعدهم، في عز انشغال الناس بالبحث عن ملجأ، لغرض الاحتماء من الحرب. وحين بدأ السلم يلوح في الأفق، وبدأ اللبنانيون يلملون دموع المآسي، كان ابناء البلدة يستعجلون انشاء حديقة عامة، ومكتبة عامة... شيئاً فشيئاً، عادت الدولة، ولم يكن للبلدة حصة كبيرة من الاهتمام الرسمي، رغم أن التقديمات الحكومية شملت المساعدة بالأشغال العامة، وبناء مدرسة رسمية ابتدائية كبيرة، وغيرها من الاحتياجات الاهلية، وخصوصاً بعد الانتخابات البلدية 1998.

لم تتوقف البابلية عن جهود تطوير الذات، بجهود ومساع محلية. في البلدة اليوم، ثلاثة آبار ارتوازية تلعن العطش.. ومبنى جامعيّ، يُستخدم مؤقتاً للتعليم المهني والتقني. وملعب كرة قدم، بمواصفات أولمبية، وقاعة للاحتفالات الثقافية، هي أشبه بقصر للثقافة، وغيرها من المشاريع العمرانية، والمساعي لتعزيز التكافل الاجتماعي، مما يجعلها نموذجاً في محيطها.

هذا المشهد، يتعارض الى حد كبير مع صورة البلدة، لدى المرور في شارعها الرئيس. لم تطل الاسفلت هذا الطريق، منذ سنوات. التقصير الحكومي يبدو فاضحاً. فمهام الدولة هنا، لم تسلك طريقها للتنفيذ منذ سنوات.. وتشبه الغياب الذي يطال حصة البلدة، في بلد المحاصصات، من الوظائف الرسمية. 

في المقابل، لم يُسجل أي تلميذ ضابط في المدرسة الحربية من البلدة، منذ سنوات طويلة. ومنذ 11 عاماً، لا يوجد في البلدة موظف من الفئة الأولى، على الرغم من أن ما يزيد عن 40 في المئة من السكان، من حملة الشهادات الجامعية، بينهم من يحملون الشهادات العليا. قد يرجع البعض هذا المشهد الى تقصير في المطالبة، لكنه في الواقع، عجز عنها، ذلك ان من يهتم بتنمية البلدة، لتعزيز وجهها الحضاري، وتعويضها بالخدمات عن الغياب الرسمي، لا يجد وقتاً للوقوف في طوابير المنتظرين.. لاستجداء وظيفة. 

هنا، يتخطى "الانتماء" مفهوم الانتساب. والابتكار، سمة السكان. فمن دونه، لم يكن للبلدة وقعاً، يكرسها نموذجاً للاكتفاء الذاتي بين القرى اللبنانية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها