الخميس 2013/08/08

آخر تحديث: 04:28 (بيروت)

إمارة دار الفتوى ومشايخها

الخميس 2013/08/08
إمارة دار الفتوى ومشايخها
قضايا الفساد تطال الجميع (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
"أنا زكيت.. وأنت؟".. حملة مكررة أطلقتها دار الفتوى كعادتها خلال شهر رمضان لتشجيع المنتمين الى الطائفة السنية على دفع زكاة أموالهم للدار. الحملة في شكلها مألوفة، لاقت رواجاً في الأعوام السابقة وحققت مبتغاها. في العام 2013 الوضع إختلف. الصراع الذي عصف في الدار خفض مستوى التوقعات. الثقة مهزوزة. الخلافات التي قسمتها ضربت بعمق دورها على صعيد الطائفة. ملفات الفساد التي فتحت وأغلقت بسحر ساحر جعلت الدار خارج ثقة المزكين.
 
"انا زكيت .. والمصاري نسرقوا".. تعبير تداوله البعض على مواقع التواصل الإجتماعي. يصلح أن يلخص نظرة شريحة كبيرة من أبناء الدار، لواقع أصبح محط سخرية وتهكم. كثر فضلوا ان يهبوا اموال زكاتهم هذا العام إلى مؤسسات اخرى. في بيروت حظيت دار الأيتام الإسلامية بوصفها محط ثقة كثر بحصة جيدة.
 
عند إعلان ما يسمى لبنان الكبير، وقف الجنرال الفرنسي هنري غورو في صورة شهيرة متوسطاً البطريرك الماروني  الياس الحويك ومفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا. في ذاك الوقت كانت الطائفة السنية الأقوى مالياً وعقارياً. خليفة السلطنة العثمانية، طفلها المدلل. الطوائف الأخرى كانت اما مهمشة وإما مضطهدة او على الأقل حذرة في علاقاتها مع السلطنة.
 
بعد لبنان الكبير لم يتغير الوضع كثيراً. الثنائية المارونية – السنية السياسية إضافة الى الواقع المالي والعقاري الضخم أبقت الدار دينياً ورعوياً ومادياً من اهم المؤسسات الدينية في لبنان. الخليج العربي ضخ الملايين فيها على عقود كما لم تتلق اي مرجعية دينية او حتى حزبية في لبنان تبرعات.
 
وفق هذا الواقع والغنى، كان للدار دور تنموي مفروض عليها. التبرعات والزكاة وخضوع الفرد المنتمي اليها الى قانون أحوال شخصي طائفي، يفرض على المؤسسات الدينية دوراً يتجاوز الوساطة بين الخالق والمخلوق. بعض المؤسسات الدينية الأقل شأناً مالياً من دار الفتوى نجحت فيه. مدارس، جامعات مستشفيات وحتى مشاريع سكنية. اما دار الفتوى فلا شئ، لا مستشفيات، لا مدارس، لا مشاريع سكنية رغم ما تملكه الدار من اوقاف. آلاف من الأمتار، ممتدة من الشمال الى الجنوب مروراً بمناطق لا حضور سنياً فيها وفي أقضية أغلب سكانها ينتمون الى الطوائف الأخرى.

الأسئلة الدائمة: لماذا لا تستخدم هذه الأوقاف لتلبية حاجات أبناء الطائفة الذين يصنفون اليوم في خانة الأكثر فقراً وعوزاً؟ لماذا لا تنشأ مشاريع سكنية بسعر التكلفة في أوقاف المصيطبة وبئر حسن والصنائع وعرمون؟ او مشاريع انتاجية في آلاف الأمتار التي تملكها الدار في عكار؟
 
كثيرة هي الأسئلة التي تطرح عن أموال دار الفتوى وإنفاقها. في المقابل تأتي الإجابات غامضة، ملتبسة من الجميع على إختلاف انتماءات من في الدار، مع او ضد المفتي الحالي محمد رشيد قباني. اين تصرف اموال دار الفتوى؟ سؤال كبير اجابته لا تتعدى الحديث عن تبرعات تقدمها الدار من صندوق الزكاة للعائلات المحتاجة اجتماعياً. غير ذلك إجابات عامة عن دور الدار السياسي والإجتماعي وتكتم ..
حتى الأموال التي تصرف على المحتاجين، كثر منهم ليس محتاجاً أصلا، يُدرجون في الجداول وفق منطق الواسطة. هناك في بيروت أرملة تقبض من الدار منذ اعوام لأنها أرملة، فيما الحقيقة ان إبنها مقتدر ويصنف في خانة الطبقة الوسطى. تعتبر ذلك مكرمة من الله مقتنعة بأحقيتها وأولويتها.
 
عند إغتيال الشيخ حسن خالد كان في صندوق الدار وفر قدره 28 مليون دولار وفق مصادر مطلعة في الدار. اليوم الرقم يساوي صفراً. اين صرفت او انفقت هذه الأموال خصوصاً انها فائض من المفترض أن يزيد لا ان يتبخر؟ الفريق المعارض للمفتي يتحدث عن فساد وسوء إدارة وقيادة وأنانية وفردية وشخصانية لدى المفتي قباني، لكنها ترفض ان تدرج الـ28 مليون دولار في خانة السرقة، تفضل تعبير سوء الإدارة والتخطيط واللامسؤولية بسبب الحلقة المحيطة بالمفتي، لكنها تعترف بأن الفساد مستشر على كل الصعد المالية والإدارية والتنظيمية.
 
منذ عامين تقريباً واثر المعارك في دار الفتوى بين الجناحين المعارض والمؤيد للمفتي، سربت وثائق عديدة ومستندات وفضائح مالية تطال المفتي ونجله راغب قباني صاحب السيارات الفارهة التي انتشرت صورها على مواقع التواصل الإجتماعي. البلبلة سادت الدار والطائفة ومرجعياتها السياسية. مداولات، فلجنة تحقيق، فطمس للملف بسحر ساحر.
 
لا تستغرب مصادر قانونية عند الحديث عن الـ28 مليون دولار رفض حتى المعارضين للمفتي اخفاء الحقائق وإدراج الموضوع في خانة سوء الإدارة. ملف الفساد الشهير الذي فتح أغلق بحسب المصادر لأنه لا يطال المفتي ونجله فحسب بل الجميع مقربين ومعارضين.
 
ليس الفساد المالي وحده من يتحكم بالدار، الإداري والتنظيمي ينخر في عظام المؤسسات التابعة لها التي أسست اصلاً قبل أو خلال الحرب الأهلية وأصبحت قاب قوسين او ادنى من الإنهيار فيما لم تؤسس مؤسسة واحدة منذ أكثر من عشرين عاماً. بعضها عشعش الإهمال فيه، كما تقول مصادر مطلعة. ورغم أنها تلقي تبعات هذا الواقع على المفتي إلا انها تعترف ان هذا الواقع عمره أكثر من عشرين عاماً. الملاحظة الأهم ان الخلاف في دار الفتوى عمره عامين فقط!
 
كبيرة بلا شك هي كلفة "الواسطة" بين الله والعباد. سيارة رباعية الدفع. زجاج داكن. ينتظر البعض من في داخلها قبل ان يترجل منها احد رجال الدين. ليست ثقافة نجل المفتي حكراً عليه، في الدار أنجال كثر. يتنعمون من "فضل ربهم" فيما أبناء "الطائفة" .. يضرسون. وليس للدار ومن فيها سوى أن تقول لأبناء الطائفة السنية: فطر سعيد. كيف؟ لا شأن لها. 
increase حجم الخط decrease