الأربعاء 2013/08/21

آخر تحديث: 05:05 (بيروت)

مجزرة كيماوية برقابة دولية

الأربعاء 2013/08/21
مجزرة كيماوية برقابة دولية
جثث الضحايا في عربين (المكتب الاعلامي في عربين)
increase حجم الخط decrease
لم يكن صباح الغوطة عادياً. نسائمه عبقت برائحة الموت المنبعثة من جريمة إبادة جماعية ارتكبها نظام بشار الأسد بدم بارد. حديث استخدام الأسلحة الكيميائية لارتكاب المجرزة طاغٍ على ما دونه، لكنه حديث لا قيمة له أمام مشاهد جثث أطفال بعمر الورود ممددة في الخلاء. جثث لا تحمل آثار دماء الشظايا الصاروخية، متسللة إلى الأجساد النضرة، التي لم تستطع مكافحة الغازات السامة. غازات يصر النظام على نفي استخدامها، لكنه بالتأكيد لا يستطيع إنكار المجزرة.
 
قد لا تكون هذه المرة الأولى التي يقصف بها النظام السوري، شعبه بالغازات السامة، ولكنها المرة الأكثر هولاً، بعد تعرض بلدات الغوطة الشرقية لقصف هو الأعنف من نوعه، أسفر وفقاً لتقديرات أولية عن سقوط أكثر من 800  قتيل، تحت مرأى المراقبين الدوليين الذين يتواجدون في سوريا منذ أيام للتحقيق في استخدام "الكيماوي" في خان العسل.
 
وفي ما بدا أنه تمهيد لاطلاقه حملة عسكرية واسعة لمحاولة استعادة السيطرة الكاملة على الغوطة الشرقية وريف دمشق، بدأت قوات النظام فجر الأربعاء قصفاً مكثفاً استهدف بداية بلدات حزة وعربين وعين ترما وزملكا. ومع تصاعد القصف، شوهدت صواريخ غريبة من نوعها في السماء. فحسب شهود عيان كانت الصواريخ تبدو كالمظلة في السماء، حيث تنفجر وتتوزع في الجو قبل سقوطها، بعدها بدأ القصف المكثف الذي طال، إضافة إلى البلدات السابقة، مدن دوما وحرستا وكفر بطنا وأطراف حي جوبر الدمشقي.
 
ومع ساعات الصباح الأولى، بدأ هول المجزرة يتكشف، اذ بدأت النقاط الطبية بالاكتظاظ بالقتلى والمصابين، والذين كان أكثرهم من الأطفال والنساء. وفيما بث ناشطون في الثورة السورية صوراً ومقاطع مصورة تظهر قتلى وجرحى بالمئات جراء تعرضهم لغازات سامة، تضاربت الأرقام حول حصيلة القتلى والمصابين.
 
لجان التنسيق المحلية تحدثت عن 775 حالة وفاة مؤكدة، مشيرة إلى أن الرقم في ازدياد، في حين أعلن ناطق باسم الجيش الحر أن أعداد القتلى بلغت 1188، موزعين على النقاط الطبية في بلدات الغوطة الشرقية على الشكل التالي: سقبا: 100 شهيد. كفربطنا: 100 شهيد. دوما: 150 شهيداً حمورية: 300 شهيد. جسرين: 16 شهيداً، بينهم 3 أطفال، زملكا: 400 شهيد، بينما احصائية نقطة بلدة المرج لم تصل بعد.
 
أما في عربين، فيقول ابو اليسر وهو أحد الاعلاميين في المدينة لـ "المدن": "وصل عدد الشهداء  في عربين في الساعات الأولى من القصف إلى 40 شهيداً، من بينهم كان 23 طفلاً و17 امرأة، والعدد حتماً سيزداد في الساعات القليلة المقبلة". من جهته، أحصى المكتب الحقوقي الموحد في الغوطة الشرقية  1228 قتيلاً.
 
وأكد الإعلامي، همام الحصري، لـ"المدن"، أنه شاهد ما يقارب خمسين طفلاً قضوا نتيجة الإصابة بالكيميائي في منطقة زملكا، وأن إحدى النقاط الطبية في منطقة دوما، حيث يتواجد، فيها ما لا يقل عن 650 إصابة بينهم 61 قتيلاً، وأضاف الحصري أنه شاهد عائلات بأكملها قد أبيدت، وأن الأهالي يبحثون بين الجثث عن أطفالهم.
 
المصابون، الذين تفاوتت التقديرات حول عددهم بين الألفين و5 ألاف، ظهرت على أغلبهم الأعراض نفسها، وهي شعور بالإعياء والإغماء وحالات من الاختناق وغشاوة بالبصر إضافة لسيلان شديد باللعاب وتشنج بالعضلات، إضافة إلى حالة من الهلوسة وهي أبرز الأعراض التي ظهرت على المصابين في الغوطة الشرقية. ووفقاً لما أكده الأطباء في المشافي الميدانية، فإن الغاز المستخدم هو غاز السارين.
 
من جهته، قال أحد الأطباء العاملين في إحدى النقاط الطبية في الغوطة الشرقية، ويدعى أبو اليزن، لـ "المدن"، إن المجزرة ارتكبت في الساعة الثانية والنصف ليلاً بينما "الناس نائمة والشبابيك مفتوحة". وأشار إلى أن أصوات القصف لا يهتم لها أحد بسبب الاعتياد، لكن صوت انفجار الكيماوي خفيف، ما ساعد في انتشار الغاز ودخوله إلى البيوت". وأضاف "أصبحت فرق الإسعاف تفتح البيوت في المنطقة وتجد الكثير من المصابين، أول ساعة كانت تأتي إصابات خطيرة بحاجة لتدبير سريع، وبعد ذلك أصبح من يأتي إما إصابته خفيفة لم تؤد لوفاته أو أنه شهيد". وأكد أبو اليزن "أن عدد المسعفين الذي تعرضوا للإصابة كبير، وقد تم نقلهم الى إحدى النقاط الطبية للعلاج"، وأشار الى أن عدد القتلى مرشح للارتفاع بسبب كثرة المصابين وكثرة الحالات الحرجة بينهم.
 
الناشطون حددوا مكان إطلاق الصواريخ، من نقطتين يسيطر عليهما النظام، وتقعان في الشمال الغربي للعاصمة دمشق. فقد انطلقت الصواريخ حسب شهود عيان من جبل قاسيون، ومن جانب البانوراما على الطريق الدولي لحرستا. وتركز القصف من هذه النقاط على عمق بلدات الغوطة الشرقية، اما الجهة الجنوبية للغوطة فقامت قوات الأسد بقصفها بشكل عنيف ومكثف بكل أنواع الأسلحة الثقيلة. بدأ الهجوم في الساعة السابعة صباحاً على أطراف بلدة المليحة وعلى بلدة عين ترما، وشنت طائرات السوخوي أربع غارات في وقت لا يتجاوز النصف ساعة، بينما راجمات الصواريخ لم تهدأ على الاطلاق، يرافقها قصف بالمدفعية والهاون.
 
صحيح أن القصف  لم يتوقف على بلدات الغوطة الشرقية وريف دمشق عموماً خلال الأشهر الماضية، بيد أن القصف الذي شهدته المنطقة في الساعات الماضية هو الأعنف من نوعه، في رسالة واضحة من النظام أنه اتخذ قراراً باستعادة سيطرته على محيط دمشق الذي تقع فيه الغوطة الشرقية. وهو قرار مدفوع بأهمية المنطقة الاستراتجية نظراً لمتاخمتها للعاصمة دمشق من جهة والتقدم الذي راح يحرزه الثوار باتجاه العاصمة دمشق من جهة اخرى. كما تعتبر غوطة دمشق واحدة من أهم مناطق تجمع القوى الثورية في ريف دمشق، حيث هنا تتواجد أقوى التشكيلات العسكرية والالوية المقاتلة.
 
في هذا الوقت، تعد بلدات حمورية وحزة وعربين ودوما، من أكثر مناطق الغوطة اكتظاظاً بالمدنيين نظراً لتواجد عائلات المقاتلين فيها، وبالتالي فإن النظام كان يعلم مسبقاً أن قصف هذه المناطق سيؤدي إلى سقوط مئات المدنيين.
 
اللافت أن قرار النظام بارتكاب هذه المجرزة جاء بالتزامن مع تواجد اللجنة المكلفة بالتحقيق بمسألة استخدام الكيميائي، في دمشق، الأمر الذي عزز من حالة غضب المدنيين الذين أصيبوا بحالة هلع خوفاً من اقدام النظام على تكرار القصف. ابو محمد، أحد المدنيين في كفر بطنا، قال لـ "المدن"، "سنسمع بعد قليل أن العالم اجتمع وأنه ندد، وأنه قلق.. ونحن نعلم أنه لا أحد سيتحرك لنجدتنا".
 
وبالفعل، بينما تعيش سوريا في هذه الأثناء نكبة حقيقية محاولة لملمة جثث الضحايا ومعالجة المصابين بما تيسر من امكانات طبية محدودة يفاقهمها الحصار الذي يفرضه النظام على منطقة الغوطة، توالت ردود الفعل المنددة بالمجزرة. الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية أصدر، بياناً على صفحته على "فايسبوك"، اعتبر فيه أنه "تم تجاوز جميع الخطوط الحمراء في ظل تجاهل كامل من قبل الولايات المتحدة ومن قبل الدول التي تدعي صداقة الشعب السوري، فمن حق الشعب السوري ان يعتبر ان لا اصدقاء لديه بعد اليوم في حال تم تجاوز هذه المجزرة بصمت دولي".
 
ودعا رئيس الائتلاف الوطني، أحمد الجربا "مجلس الأمن للانعقاد بشكل فوري لتحمل مسؤولياته تجاه الجريمة التي ارتكبها الأسد ضد الانسانية باستخدامه السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية". كما طالب "فريق الأمم المتحدة المتواجد في دمشق بهدف التفتيش عن الأسلحة الكيماوية، بالتوجه إلى مكان المجزرة والوقوف عليها".
 
وأكد الجربا أن النظام السوري "هو المسؤول عن المجزرة المروعة في الغوطة الشرقية، وأن ما اقترفه هو ترجمة لما ورد في خطاب الأسد الأخير حول تعهده بالقيام بكل الأساليب للقضاء على ما سماه "التكفيريين"، موضحاً أنه لا يستهدف سوى المدنيين والأطفال والنساء. وأضاف الجربا أنه تواصل مع وزراء الخارجية العرب والغرب لتقوم اللجنة الأممية بالوقوف على ما حدث، مشيراً إلى أن إجرام الأسد الذي لا يعرف سوى لغة القوة، لا يشجع على أي مبادرة باتجاه جنيف 22 ".
 
 
وفيما طالبت جامعة الدول العربية، فريق المفتشين التابع للأمم المتحدة في سوريا بالتوجه "فوراً" الى منطقة الغوطة والتحقيق في ملابسات "الجريمة التي تشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني ويتوجب تقديم مرتكبيها الى العدالة الجنائية الدولية."، اكتفى رئيس فريق الأسلحة الكيماوية التابع للأمم المتحدة، أكي سيلستروم، بالقول إنه يجب التحقيق في الأنباء بوقوع هجوم بغاز الأعصاب في سوريا. ونقلت وكالة الأنباء السويدية عن سيلستروم قوله إنه لم ير سوى لقطات تلفزيونية وإن ضخامة عدد القتلى المذكور يثير الريبة.
 
دولياً، أعلن وزير الخارجية البريطانية وليام هيغ أن بلاده سترفع تقريراً بوقوع هجوم بأسلحة كيماوية في سوريا إلى مجلس الأمن، مطالباً الحكومة السورية بالسماح لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول على الفور إلى المكان. بدورها، طالبت فرنسا فريق التحقيق الدولي بالتوجه إلى الغوطة الشرقية. كذلك طالبت السعودية بعقد جلسة لمجلس الأمن.
 
في المقابل، نفى التلفزيون السوري الرسمي ووكالة الأنباء السورية استخدام أي سلاح كيميائي، فيما اعتبر وزير الإعلام السوري عمران الزعبي في حديث لـ”الميادين” أن “كل الكلام عن استخدام الكيميائي هو حملة إعلامية خليجية”، مشيراً إلى أن “عناصر إرهابيّة تستخدم المدنيين كدروع بشريّة.
 
increase حجم الخط decrease